وهنا نكتة تستحق الالتفات، وهي أن صفة (العزيز) قد وردت أحيانا لوصف نفس القرآن، مثل: وإنه لكتاب عزيز (1)، فإنه عزيز لا تصل إليه أيدي الذين يقولون بعدم فائدته، ولا ينقص مر الزمان من أهميته، ولا تبلى حقائقه ولا تفقد قيمتها، ويفضح المحرفين أو من يحاول تحريفه، ويشق طريقه إلى الأمام دائما رغم كل ما يوضع أمامه من عراقيل.
وقد تأتي هذه الصفة في حق منزله جل وعلا، كما في هذه الآية، وكلاهما صحيح.
ثم تناولت الآية التي بعدها بيان آيات الله سبحانه ودلائل عظمته في الآفاق والأنفس، فقالت: إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين.
إن عظمة السماوات من جانب، ونظامها العجيب الذي مرت عليه ملايين السنين الذي لم ينحرف عما سار عليه قيد أنملة، من جانب آخر، ونظام خلقة الأرض وعجائبها، من جانب ثالث، يكون كل منها آية من آيات الله سبحانه.
إن للأرض - على قول بعض العلماء - أربع عشرة حركة، وتدور حول نفسها بسرعة مذهلة، وكذلك تدور حول الشمس بحركة سريعة، وأخرى مع المنظومة الشمسية ضمن مجرة " درب التبانة "، وهي تسير في طريق لا نهاية له، وسفر لا حد له، ومع ذلك فهي من الهدوء والاستقرار بمكان، بحيث يستقر عليها الإنسان وكل الموجودات الحية فلا يشعرون بأي اضطراب وتزلزل، حتى ولا بقدر رأس الإبرة.
وهي ليست بتلك الصلابة التي لا يمكن معها أن تزرع، وتبني عليها الدور والبنايات، ولا هي رخوة ولا يمكن الثبات عليها، والاستقرار فيها.
وقد هيئت فيها أنواع المعادن ووسائل الحياة لمليارات البشر، سواء الماضون منهم والحاضرون والآتون، وهي جميلة تسحر الإنسان، وتفتنه.
والجبال والبحار وجو الأرض - أيضا - كل منها آية وسر من الأسرار.