وواضح أن الأوامر الأربعة الواردة في هذه الآية، هي تأكيد على مسألة التوحيد وآثاره العملية، فالمسألة أعم من التوبة والعودة إليه تعالى وإلى تقواه وإقامة الصلاة وعدم الشرك به.
وفي آخر آية - من الآيات محل البحث - يبين القرآن واحدا من آثار الشرك وعلائمه في عبارة موجزة ذات معنى كبير، فيقول: لا تكونوا من المشركين الذين انقسموا في دينهم على فرق وأحزاب كثيرة: من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا.
والعجيب في الأمر أنهم على تضادهم واختلافهم فإن كل حزب بما لديهم فرحون.
أجل، إن واحدة من علائم الشرك هي التفرقة، لأن المعبودات المختلفة هي منشأ الأساليب المتفاوتة وهي أساس الانفصال والتفرق، خاصة وأن الشرك هو توأم عادة لهوى النفس والتعصب والكبر والأنانية وعبادة الذات، أو متولد عنها، لذلك لا يمكن أن تتحقق الوحدة والاتحاد إلا في ظل عبادة الله، والعقل والتواضع والإيثار!.
فعلى هذا، حيثما وجدنا تفرقة واختلافا فينبغي أن نعرف أن نوعا من الشرك حاكم هناك، ويمكن أن نستنتج من هذا الموضوع أن نتيجة الشرك هي تفرق الصفوف، والتضاد، وهدر القوى، وأخيرا الضعف وعدم القدرة.
وأما مسألة كل حزب بما لديهم فرحون فهي واضحة ودليلها بين، حين يعتقدون أن ما لديهم حق، لأن الهوى يزين للنفس عملها في نظر الإنسان وهذا التزيين نتيجته التعلق أكثر فأكثر، والفرح بالطريق الذي اختارته النفس، وإن كان هذا الطريق يؤدي إلى الضلال والانحراف.
إن عبادة الهوى لا تسمح للإنسان أن يرى وجه الحقيقة كما هو، ولا يمكنه أن يقضي قضاء صحيحا خاليا من الحب والحقد.