2 التفسير 3 لابد من الهجرة:
حيث أن الآيات السابقة كانت تتحدث عن مواقف المشركين المختلفة من الإسلام والمسلمين، ففي الآيات محل البحث يقع الكلام عن حال المسلمين ومسؤولياتهم قبال المشاكل المختلفة، أي مشاكل أذى الكفار وضغوطهم وقلة عدد المسلمين وما إلى ذلك، فتقول الآية الأولى: يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون.
وبديهي أن هذا ليس قانونا خاصا بمؤمني أهل مكة، ولا يحدد سبب النزول مفهوم الآية الواسع المنسجم مع الآيات الأخرى... فعلى هذا لو سلب الإنسان حريته في أي عصر أو زمان ومكان بشكل كامل، فإن بقاءه هناك لا يجلب عليه إلا الذل " والخسران والضرر " والابتعاد عن أداء المناسك الإلهية، فوظيفة الإنسان المسلم عندئذ الهجرة إلى منطقة " حرة " يستطيع أن يؤدي فيها وظائفه الإسلامية بحرية تامة أو حرية نسبية.
وبتعبير آخر: إن الهدف من خلق الإنسان أن يكون عبدا لله، عبودية هي في الواقع سبب للحرية والكرامة والانتصار في جميع الجهات... وجملة فإياي فاعبدون إشارة إلى هذا المعنى، كما ورد هذا التعبير في الآية (56) من سورة الذاريات وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون.
فمتى ما أصبح هذا الهدف الأساسي والنهائي مستحيلا، فلا سبيل عندئذ إلا الهجرة، فأرض الله واسعة، وينبغي أن يهاجر الفرد نحو منطقة أخرى، ولا يكون أسيرا لمفاهيم " القبلية والقومية والوطنية والبيت والأهل " في مثل هذه الموارد، ولا يذل الإنسان نفسه من أجلها، فإن احترام هذه الأمور هو فيما لو كان الهدف الأصلي قائما غير مخاطر به، أما إذا أصبح الهدف الأصلي " عبادة الله " مخاطرا به فلا سبيل إلا الهجرة!