وبتعبير آخر: إن التكوين والتشريع عضدان قويان يعملان بانسجام في المجالات كافة، فلا يمكن أن يدعو الشرع إلى شئ ليس له أساس ولا جذر في أعماق فطرة الإنسان، ولا يمكن أن يكون شئ في أعماق وجود الإنسان مخالف للشرع!
وبدون شك فإن الشرع يعين حدودا وقيودا لقيادة الفطرة لئلا تقع في مسار منحرف، إلا أنه لا يعارض أصل مشيئة الفطرة، بل يهديها من الطريق المشروع، وإلا فسيقع التضاد بين التشريع والتكوين، وهذا لا ينسجم مع أساس التوحيد.
وبعبارة أخرى: إن الله لا يفعل أعمالا متناقضة أبدا، بحيث يقول أمره التكويني: افعل! ويقول أمره التشريعي: لا تفعل.
2 - إن الدين له وجود نقي خالص من كل شائبة داخل نفس الإنسان، أما الانحرافات فأمر عارض، ووظيفة الأنبياء إذن إزالة هذه الأمور العارضة، وفسح المجال لفطرة الإنسان في الإشراق.
3 - إن جملة لا تبديل لخلق الله وبعدها جملة ذلك الدين القيم تأكيدان آخران على مسألة كون الدين فطريا، وعدم إمكان تغيير هذه الفطرة!... وإن كان كثير من الناس لا يدركون هذه الحقيقة بسبب عدم رشدهم كما ينبغي!
وينبغي الالتفات إلى هذه اللطيفة، وهي أن الفطرة في الأصل من مادة " فطر " على زنة " بذر " ومعناها شق الشئ من الطول، وهنا معناها الخلقة، فكأن ستار العدم ينشق عند خلق الموجودات ويبرز كل شئ منها.
وعلى كل حال فمنذ أن وضع الإنسان قدمه في عالم الوجود، كان هذا النور متوقدا في داخله، من أول يوم ومن ذلك الحين!
والروايات المتعددة التي وردت في تفسير الآية تؤيد ما ذكرناه آنفا، وسنتحدث عن ذلك لاحقا إن شاء الله، بالإضافة إلى الأبحاث الأخرى في مجال كون التوحيد فطريا.