أما في هذه الآيات، فالحديث موجه للنبي (صلى الله عليه وآله)، وفي الواقع لجميع المؤمنين، وهو يبين دلائل التوحيد عن طرق " الخلقة "، و " الربوبية "، و " الفطرة "، أي عن ثلاث طرائق متفاوتة، ويريهم أن مصيرهم وعاقبة أمرهم بيد الله الذي يجدون آثاره في الآفاق وفي أنفسهم، لا بأيدي الأصنام والأوثان التي لا تضر ولا تنفع.
فتبدأ الآية الأولى من هذه الآيات محل البحث - مشيرة إلى خلق السماوات والأرض وتستعين باعتقاداتهم الباطنية... فتقول: ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله!
لأن من المسلم به أنه لا عبدة الأصنام ولا غيرهم ولا أي أحد آخر يقول: إن خالق السماوات والأرض ومسخر الشمس والقمر حفنة من الأحجار والخشب المصنوعة بيد الإنسان.
وبتعبير آخر: لا يشك في " توحيد الخالق " حتى عبدة الأصنام حيث كانوا مشركين في عبادة الخالق، وكانوا يقولون: إنما نعبد أوثانا ليقربونا إلى الله زلفى، فهم الوسطاء بيننا وبين الله، كما نقرأ في الآية (18) من سورة يونس ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله.. فنحن غير جديرين أن نرتبط بالله مباشرة، بل ينبغي أن نرتبط به عن طريق الأصنام ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى. (1) وهم غافلون عن أنه لا تفصل بين الخالق والمخلوق أية فاصلة، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد، زد على ذلك: إذا كان الانسان - الذي هو بمثابة الدرة اليتيمة في تاج الموجودات - لا يستطيع أن يرتبط بالله مباشرة، فأي شئ يكون واسطة الإنسان إلى الله؟!
وعلى كل حال، فإن الآية بعد ذكر هذا الدليل الواضح تتساءل: فأنى يؤفكون أي مع هذا المال كيف يعرضون عن عبادة خالقهم ويستبدلونها بعبادة مجموعة من الاحجار والاخشاب؟!