مسألة أخرى تتجلى أمامنا، وهي أن الفراعنة اتخذوا خطة لاستضعاف بني إسرائيل بذبح الأبناء، لئلا يستطيع بنوا إسرائيل أن يواجهوا الفراعنة ويحاربوهم، وكانوا يتركون النساء اللاتي لا طاقة لهن على القتال والحرب، ليكبرن ثم يخدمن في بيوتهم.
والشاهد الآخر هو الآية (25) في سوره المؤمن، إذ يستفاد منها - بصورة جيدة - أن خطة قتل الأبناء واستحياء النساء كانت موجودة حتى بعد ظهور موسى (عليه السلام) [ومجيئه إلى الفراعنة]. إذ تقول: فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال.
وجملة يستحي نساءهم يظهر منها أنهم كانوا يصرون على إبقاء البنات والنساء، إما لكي يخدمن في بيوت الأقباط، أو للاستمتاع الجنسي، أو لكلا الأمرين جميعا.
وفي آخر جملة تأتي الآية بتعبير جامع، وفيه بيان العلة أيضا فتقول: إنه كان من المفسدين.
وباختصار فإن عمل فرعون يتلخص في الفساد في الأرض، فاستعلاؤه كان فسادا، وإيجاد الحياة الطبقية في مصر فساد آخر، وتعذيب بني إسرائيل واستضعافهم وذبح أبنائهم واستحياء نسائهم ليخدمن في بيوت الأقباط فساد ثالث، وسوى هذه المفاسد كانت لديه مفاسد كثيرة أخرى أيضا.
والتعبير ب " يذبح " المشتق من مادة " المذبح " تدل على معاملة الفراعنة لبني إسرائيل كمعاملة القصابين للأغنام والأنعام الأخرى، إذ كانوا يذبحون هؤلاء الناس الأبرياء ويحتزون رؤوسهم! (1).