قال رؤبة:
وسوس يدعو مخلصا رب الفلق * سرا، وقد أون تأوين العقق (1) والوسوسة كالهمهمة، ومنه قولهم: فلان موسوس إذا غلب عليه ما يعتريه من المرة. يقال: وسوس وسواسا ووسوسة وتوسوس. والخنوس: الاختفاء بعد الظهور، خنس يخنس، ومنه الخنس في الأنف لخفائه بانخفاضه عندما يظهر بنتوة. وأصل الناس الأناس، فحذفت الهمزة التي هي فاء ويدلك على ذلك الأنس والأناس. وأما قولهم في تحقيره: نويس، فإن الألف لما كانت ثانية زائدة أشبهت ألف فاعل، فقلبت واوا.
الاعراب: قيل: إن قوله (من الجنة) بدل من قوله (من شر الوسواس) فكأنه قال: أعوذ بالله من شر الجنة والناس. وقيل: إن من تبيين للوسواس. والتقدير: من شر ذي الوسواس الخناس، من الجنة والناس أي: صاحب الوسواس الذي من الجنة والناس، فيكون الناس معطوفا على الوسواس الذي هو في معنى ذي الوسواس. وإن شئت لم تحذف المضاف، فيكون التقدير: من شر الوسواس، الواقع من الجنة التي توسوسه في صدور الناس. فيكون فاعل يوسوس ضمير الجنة. وإنما ذكر لأن الجنة والجن واحد. وجازت الكناية عنه، وإن كان متأخرا، لأنه في نية التقديم. فجرى مجرى قوله (فأوجس في نفسه خيفة موسى) وحذف العائد من الصلة إلى الموصوف، كما في قوله: (أهذا الذي بعث الله رسولا) أي بعثه الله رسولا.
المعنى: (قل) يا محمد (أعوذ برب الناس) أي خالقهم ومدبرهم ومنشئهم (ملك الناس) أي سيدهم، والقادر عليهم. ولم يجز هنا إلا ملك، وجاز في فاتحة الكتاب ملك ومالك. وذلك لأن صفة ملك، تدل على تدبير من يشعر بالتدبير، وليس كذلك مالك، وذلك لأنه يجوز أن يقال مالك الثوب، ولا يجوز ملك الثوب.