و (استغنى): جملة في موضع النصب لكونها مفعولة ثانية لرآه. والتقدير لأن رآه مستغنيا. (ناصية) بدل من الناصية أي بناصية كاذبة خاطئة، ومعناه: بناصية صاحبها كاذب خاطئ، يقال: فلان نهاره صائم، وليله قائم، أي هو صائم في نهاره، وقائم في ليله. (فليدع ناديه) أي أهل ناديه، فحذف المضاف. والنون في (لنسفعن). نون التأكيد الخفيفة والاختيار عند البصريين أن تكتب بالألف لأن الوقف عليها بالألف. واختار الكوفيون أن تكتب بالنون، لأنها نون في الحقيقة.
المعنى: (إقرأ باسم ربك) هذا أمر من الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يقرأ باسم ربه، وأن يدعوه بأسمائه الحسنى، وفي تعظيم الاسم تعظيم المسمى، لأن الاسم ذكر المسمى بما يخصه فلا سبيل إلى تعظيمه إلا بمعناه. ولهذا لا يعظم اسم الله حق تعظيمه إلا من هو عارف به، ومعتقد عبادته، ولهذا قال سبحانه: (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى)، وقال: (سبح اسم ربك الأعلى) فالباء هنا زائدة، والتقدير: اقرأ اسم ربك. وأكثر المفسرين على أن هذه السورة أول ما نزل من القرآن، وأول يوم نزل جبرائيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو قائم على حراء، علمه خمس آيات من أول هذه السورة. وقيل: أول ما نزل من القرآن قوله: (يا أيها المدثر) وقد مر ذكره. وقيل: أول سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاتحة الكتاب.
رواه الحاكم أبو عبد الله الحافظ بإسناده عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لخديجة: إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء. فقالت: ما يفعل الله بك إلا خيرا. فوالله إنك لتؤدي الأمانة، وتصل الرحم، وتصدق الحديث.
قالت خديجة: فانطلقنا إلى ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، وهو ابن عم خديجة، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما رأى، فقال له ورقة: إذا أتاك فاثبت له حتى تسمع ما يقول، ثم ائتني فأخبرني. فلما خلا ناداه يا محمد! قل له ذلك. فقال له:
أبشر ثم أبشر فأنا أشهد أنك الذي بشر به ابن مريم، وأنك على مثل ناموس موسى، وأنك نبي مرسل، وأنك سوف تؤمر بالجهاد بعد يومك هذا، ولئن أدركني ذلك لأجاهدن معك. فلما توفي ورقة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لقد رأيت القس في الجنة عليه ثياب الحرير، لأنه آمن بي وصدقني) يعني ورقة. وروي أن ورقة قال في ذلك: