وجهه إلا الانسان، عن ابن عباس وقيل: أراد أنه خلقهم على كمال في أنفسهم، واعتدال في جوارحهم، وأبانهم عن غيرهم بالنطق والتمييز والتدبير، إلى غير ذلك مما يختص به الانسان. وفي ذلك إشارة أيضا إلى حال الشباب. (ثم رددناه أسفل سافلين) يريد إلى الخرف، وأرذل العمر، والهرم، ونقصان العقل. والسافلون هم الضعفاء والزمني والأطفال، والشيخ الكبير أسفل هؤلاء جميعا، عن ابن عباس وإبراهيم وقتادة. وقيل: معناه ثم رددناه إلى النار، عن الحسن ومجاهد وابن زيد والجبائي. والمعنى إلى أسفل الأسفلين، لأن جهنم بعضها أسفل من بعض، وعلى هذا فالمراد به الكفار أي: خلقناهم في أحسن خلقة أحرارا عقلاء مكلفين، فكفروا فرددناهم إلى النار في أقبح صورة.
ثم استثنى فقال: (إلا الذين آمنوا) أي صدقوا بالله. (وعملوا الصالحات) أي أخلصوا العبادة لله، وأضافوا إلى ذلك الأعمال الصالحة، فإن هؤلاء لا يردون إلى النار. ومن قال بالقول الأول قال: إن المؤمن لا يرد إلى الخرف، وإن عمر عمرا طويلا. قال إبراهيم: إذا بلغ المؤمن من الكبر ما يعجز معه عن العمل، كتب له ما كان يعمل، وهو قوله: (فلهم أجر غير ممنون) وقال عكرمة: من رد منهم إلى أرذل العمر، كتب له صالح ما كان يعمل في شبابه، وذلك أجر غير ممنون، وعن ابن عباس قال: ومن قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر، وذلك قوله: (ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) قال إلا الذين قرأوا القرآن. وفي الحديث عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (المولود حتى يبلغ الحنث ما عمل من حسنة كتب لوالديه، فإن عمل سيئة لم تكتب عليه، ولا على والديه، فإذا بلغ الحنث وجرى عليه القلم، أمر الله الملكين اللذين معه يحفظانه ويسددانه، فإذا بلغ أربعين سنة في الاسلام أمنه الله من البلايا الثلاث الجنون والجذام والبرص، فإذا بلغ خمسين خفف الله حسابه، فإذا بلغ ستين رزقه الإنابة إليه فيما يجب، فإذا بلغ سبعين أحبه أهل السماء، فإذا بلغ ثمانين كتب الله حسناته وتجاوز عن سيئاته، فإذا بلغ تسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وشفعه في أهل بيته، وكان اسمه أسير الله في الأرض، فإذا بلغ أرذل العمر لكيلا يعلم بعد علم شيئا، كتب الله له بمثل ما كان يعمل في صحته من الخير، وإن عمل سيئة لم تكتب عليه).
وأقول: إن صح الخبر، فإنما لا تكتب عليه السيئة لزوال عقله، ونقصان