وقيل: أراد سبحانه آدم، لأنه أول من كتب عن كعب. وقيل: أول من كتب إدريس، عن الضحاك. وقيل: أراد كل نبي كتب بالقلم، لأنه ما علمه إلا بتعليم الله إياه. (علم الانسان ما لم يعلم) من أنواع الهدى والبيان، وأمور الدين والشرائع والأحكام. فجميع ما يعلمه الانسان من جهته سبحانه، إما بأن اضطره إليه، وإما بأن نصب الدليل عليه في عقله، وإما بأن بينه له على ألسنة ملائكته ورسله، فكل العلوم على هذا مضاف إليه. وفي هذا دلالة على أنه سبحانه عالم، لأن العلم لا يقع إلا من عالم (كلا) أي حقا (إن الانسان ليطغى) أي يتجاوز حده، ويستكبر على ربه، ويعدو طوره (أن رآه استغنى) أي لأن رآه نفسه مستغنية عن ربه بعشيرته وأمواله وقوته، كأنه قال: إنما يطغى من رأى أنه مستغن عن ربه، لا من كان غنيا. قال قتادة: كان إذا أصاب مالا، زاد في ثيابه ومركبه وطعامه وشرابه، فذلك طغيانه.
وقيل: إنها نزلت في أبي جهل هشام من هنا إلى آخر السورة.
(إن إلى ربك الرجعى) أي إلى الله مرجع كل أحد أي: فهذا الطاغي كيف يطغى بماله، ويعصي ربه، ورجوعه إليه، وهو قادر على إهلاكه، وعلى مجازاته إذا رجع إليه. (أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى) هذا تقرير للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإعلام له بما يفعله بمن ينهاه عن الصلاة. فقد جاء في الحديث أن أبا جهل قال: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قالوا: نعم. قال: فبالذي يحلف به لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته. فقيل له: ها هو ذلك يصلي. فانطلق ليطأ على رقبته، فما فجأهم إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقي بيديه، فقالوا: مالك يا أبا الحكم؟ قال:
إن بيني وبينه خندقا من نار، وهولا وأجنحة. وقال نبي الله: (والذي نفسي بيده، لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا). فأنزل الله سبحانه: (أرأيت الذي ينهى) إلى آخرة السورة. رواه مسلم في الصحيح. ومعنى الآية: أرأيت يا محمد من منع من الصلاة، ونهى من يصلي عنها، ماذا يكون جزاؤه، وما يكون حاله عند الله تعالى، وما الذي يستحقه من العذاب. فحذف لدلالة الكلام عليه، والآية عامة في كل من ينهى عن الصلاة والخير. وروي عن علي عليه السلام أنه خرج في يوم عيد، فرأى ناسا يصلون فقال: يا أيها الناس! قد شهدنا نبي الله في مثل هذا اليوم، فلم يكن أحد يصلي قبل العيد، أو قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فقال رجل: يا أمير المؤمنين ألا تنهى