فإن يك حقا يا خديجة، فاعلمي * حديثك إيانا فأحمد مرسل وجبريل يأتيه، وميكال معهما * من الله وحي، يشرح الصدر منزل يفوز به من فاز عزا لدينه، * ويشقى به الغاوي الشقي المضلل فريقان: منهم فرقة في جنانه، * وأخرى بأغلال الجحيم تغلغل ثم وصف سبحانه ربه، وبينه بفعله الدال عليه فقال: (الذي خلق) أي خلق جميع المخلوقات على مقتضى حكمته، وأخرجه من العدم إلى الوجود بكمال قدرته، ثم خص الانسان بالذكر تشريفا له، وتنبيها على إبانته إياه عن سائر الحيوان فقال:
(خلق الانسان من علق) أراد به جنس بني آدم أي: خلقهم من دم جامد بعد النطفة. وقيل: معناه خلق آدم من طين يعلق باليد، والأول أصح. وفي هذا إشارة إلى بيان النعمة بأن خلقه من الأصل الذي هو في الغاية القصوى من المهانة. ثم بلغ به مبالغ الكمال، حتى صار بشرا سويا مهيئا للنطق والتمييز، مفرغا في قالب الاعتدال، وأنه كما نقل الانسان من حال إلى حال، حتى استكمل، كذلك ينقلك من الجهالة إلى درجة النبوة والرسالة، حتى تستكمل شرف محلها.
ثم أكد الأمر بالإعادة فقال: (إقرأ) وقيل: أمره في الأول بالقراءة لنفسه، وفي الثاني بالقراءة للتبليغ، وليس بتكرار، عن الجبائي، ومعناه إقرأ القرآن (وربك الأكرم) أي الأعظم كرما، فلا يبلغه كرم كريم، لأنه يعطي من النعم ما لا يقدر على مثله غيره، فكل نعمة توجد من جهته تعالى إما بأن اخترعها، وإما سببها، وسهل الطريق إليها، وقيل: معناه بلغ قومك وربك الأكرم الذي يثيبك على عملك بما يقتضيه كرمه، ويقويك ويعينك على حفظ القرآن (الذي علم بالقلم) أي علم الكاتب أن يكتب بالقلم، أو علم الانسان البيان بالقلم، أو علم الكتابة بالقلم. امتن سبحانه على خلقه بما علمهم من كيفية الكتابة بالقلم، لما في ذلك من كثرة الانتفاع فيما يتعلق بالدين والدنيا. قال قتادة: القلم نعمة من الله عظيمة، لولاه لم يقم دين، ولم يصلح عيش. وقال بعضهم في وصفه:
لعاب الأفاعي القاتلات، لعابه * وأري الجنى اشتارته أيد عواسل (1)