ونظائره كثيرة (فلا اقتحم العقبة) فيه أقوال أحدها: إن المعنى فلم يقتحم هذا الانسان العقبة، ولا جاوزها. وأكثر ما يستعمل هذا الوجه بتكرير لفظة (لا) كما قال سبحانه. (فلا صدق ولا صلى) أي لم يصدق، ولم يصل. وكما قال الحطيئة:
وإن كانت النعماء فيهم جزوا بها، * وإن أنعموا لا كدروها، ولا كدوا وقد جاء من غير تكرار في نحو قوله:
إن تغفر اللهم تغفر جما، * وأي عبد لك، لا ألما (1) أي لم يلم بذنب. والآخر: أن يكون على وجه الدعاء عليه بأن لا يقتحم العقبة كما يقال: لا غفر الله له، ولا نجا، ولا سلم. والمعنى: لا نجا من العقبة، ولا جاوزها والثالث: إن المعنى فهلا اقتحم العقبة، أو أفلا اقتحم العقبة، عن ابن زيد والجبائي وأبي مسلم، قالوا: ويدل على ذلك قوله تعالى (ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة) ولو كان أراد النفي لم يتصل الكلام. قال المرتضى، قدس الله روحه: هذا الوجه ضعيف جدا، لأن الكلام خال من لفظ الاستفهام، وقبيح حذف حرف الاستفهام في مثل هذا الموضع، وقد عيب على عمر بن أبي ربيعة قوله.
ثم قالوا: تحبها. قلت: بهرا * عدد الرمل، والحصى، والتراب (2) وأما قولهم: لو أريد النفي لم يتصل الكلام، فليس بشئ، لأن المعنى فلا اقتحم العقبة ثم كان من الذين آمنوا أي: لم يقتحم، ولم يؤمن. وأما المراد بالعقبة ففيه وجوه أحدها: إنه مثل ضربه الله تعالى لمجاهدة النفس والهوى والشيطان، في أعمال الخير والبر، فجعل ذلك كتكليف صعود العقبة الشاقة الكؤود، فكأنه قال لم يحمل على نفسه المشقة بعتق الرقبة والإطعام، وهو قوله: (وما أدراك ما العقبة) أي ما اقتحام العقبة.
ثم ذكره فقال: (فك رقبة) وهو تخليصها من أسار الرق إلى آخره وثانيها:
إنها عقبة حقيقية. قال الحسن وقتادة: هي عقبة شديدة في النار، دون الجسر،