قتادة، وسعيد بن جبير. وروي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تزول قدما العبد حتى يسأل عن أربعة: عن عمره فيما أفناه، وعن ماله من أين جمعه، وفي ماذا أنفقه، وعن عمله ماذا عمل به، وعن حبنا أهل البيت). وقيل: إنه كان كاذبا لم ينفق ما قاله، فقال الله سبحانه: أيظن أن الله تعالى لم ير ذلك، فعل أو لم يفعل، أنفق أو لم ينفق، عن الكلبي.
ثم ذكر سبحانه النعم التي أنعم بها عليه، ليستدل بها على توحيده، فقال:
(ألم نجعل له عينين) ليبصر بهما آثار حكمته (ولسانا وشفتين) لينطق بهما، فيبين باللسان، ويستعين بالشفتين على البيان. قال قتادة: نعم الله عليك متظاهرة فقررك بها كيما تشكر. وروى عبد الحميد المدائني، عن أبي حازم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الله تعالى يقول يا بن آدم! إن نازعك لسانك فيما حرمت عليك، فقد أعنتك عليه بطبقتين، فأطبق. وإن نازعك بصرك إلى بعض ما حرمت عليك، فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق. وإن نازعك فرجك إلى ما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق).
(وهديناه النجدين) أي سبيل الخير، وسبيل الشر، عن علي عليه السلام وابن مسعود وابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة. وقيل: معناه أرشدناه للثديين، عن سعيد بن المسيب والضحاك. وفي رواية أخرى عن ابن عباس. روي أنه قيل لأمير المؤمنين عليه السلام: إن ناسا يقولون في قوله (وهديناه النجدين) أنهما الثديان؟ فقال:
لا هما الخير والشر. وقال الحسن: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يا أيها الناس! هما نجدان نجد الخير، ونجد الشر. فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير).
ولو قيل: كيف يكون نجد الشر مرتفعا كنجد الخير، ومعلوم أنه لا رفعة في الشر؟ (والجواب): إن الطريقين جميعا ظاهران بأديان للمكلفين، فسمى سبحانه كلاهما نجدا لظهوره وبروزه. ويجوز أن يكون سمى طريق الشر نجدا من حيث يحصل في اجتناب سلوكه الرفعة والشرف، كما يحصل ذلك في طريق الخير. وقيل أيضا إنه على عادة العرب في تثنية الأمرين إذا اتفقا على بعض الوجوه، فيجري لفظ أحدهما على الآخر، كقولهم القمرين في الشمس والقمر. قال الفرزدق:
أخذنا بآفاق السماء عليكم * لنا قمراها، والنجوم الطوالع