وقيل: يريد إبراهيم عليه السلام وولده، عن ابن أبي عمران الجوني. لما أقسم بالبلد أقسم بإبراهيم، فإنه بانيه، وبأولاده العرب إذ هم المخصصون بالبلد. وقيل: يعني كل والد وولده، عن ابن عباس والجبائي. وقيل: ووالد من يولد له، وما ولد يعني العاقر، عن ابن جبير. فيكون ما نفيا، وهو بعيد لأنه يكون تقديره: وما ما ولد فحذف ما الأولى التي تكون موصولة، أو موصوفة.
(لقد خلقنا الانسان في كبد) أي في نصب وشدة، عن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن قال: يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة. وقال: ابن آدم لا يزال يكابد أمرا حتى يفارق الدنيا. وقيل: في شدة خلق من حمله وولادته ورضاعه وفطامه ومعاشه وحياته وموته. ثم إنه سبحانه لم يخلق خلقا يكابد ما يكابد ابن آدم، وهو أضعف الخلق. وقيل: في كبد أي قائما على قدميه منتصبا، وكل شئ خلق، فإنه يمشي مكبا، إلا الانسان فإنه خلق منتصبا. فالكبد: الاستواء والاستقامة، وهو رواية مقسم، عن ابن عباس، وهو قول مجاهد وأبي صالح وعكرمة، وقيل: يريد شدة الأمر والنهي أي: خلقناه ليعبدنا بالعبادات الشاقة مثل الاغتسال من الجنابة في البرد، والقيام إلى الصلاة من النوم، فينبغي له أن يعلم أن الدنيا دار كبد ومشقة، والجنة دار الراحة والنعمة.
(أيحسب أن لن يقدر عليه أحد) معناه: أيظن هذا الانسان أنه لن يقدر على عقابه أحد إذا عصى الله تعالى، وركب القبائح، فبئس الظن ذلك، وهذا استفهام إنكار أي: لا يظنن ذلك. وقيل: معناه أيحسب هذا المغتر بماله، أن لا يقدر عليه أحد يأخذ ماله، عن الحسن. وقيل: أيحسب أن لا يسأل عن هذا المال من أين اكتسبه، وفي ماذا أنفقه، عن قتادة. وقيل: إنه يعني أبا الأسد بن كلدة، وهو رجل من جمح، كان قويا شديد الخلق، بحيث يجلس على أديم عكاظي فتجره العشرة من تحته، فينقطع، ولا يبرح من مكانه، عن الكلبي.
ثم أخبر سبحانه عن مقالة هذا الانسان فقال: (يقول أهلكت مالا لبدا) أي أنفقت مالا كثيرا في عداوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يفتخر بذلك. وقيل: هو الحرث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، وذلك أنه أذنب ذنبا فاستفتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأمره أن يكفر، فقال: لقد ذهب مالي في الكفارات والنفقات، منذ دخلت في دين محمد، عن مقاتل. (أيحسب أن لم يره أحد) فيطالبه من أين اكتسبه، وفي ماذا أنفقه، عن