وقيل: إذا يغشى بظلمته الأفق، وجميع ما بين السماء والأرض. والمعنى: إذا أظلم، وادلهم، وأغشى الأنام بالظلام، لما في ذلك من الهول المحرك للنفس بالاستعظام. (والنهار إذا تجلى) أي: بان وظهر من بين الظلمة، وفيه أعظم النعم إذ لو كان الدهر كله ظلاما، لما أمكن الخلق طلب معايشهم، ولو كان ذلك كله ضياء، لما انتفعوا بسكونهم وراحتهم، فلذلك كرر سبحانه ذكر الليل والنهار في السورتين، لعظم قدرهما في باب الدلالة على مواقع حكمته (وما خلق الذكر والأنثى) أي والذي خلق، عن الحسن والكلبي. وعلى هذا يكون (ما) بمعنى من. وقيل: معناه خلق الذكر والأنثى، عن مقاتل. قال مقاتل والكلبي: الذكر والأنثى آدم وحواء عليهما السلام. وقيل: أراد كل ذكر وأنثى من الناس وغيرهم.
(إن سعيكم لشتى) هذا جواب القسم، والمعنى: إن أعمالكم لمختلفة، فعمل للجنة، وعمل للنار، عن ابن عباس. وقيل: إن سعيكم لمتفرق، فساع في فكاك رقبته، وساع في هلاكه، وساع للدنيا، وساع للعقبى. وروى الواحدي بالإسناد المتصل المرفوع عن عكرمة، عن ابن عباس أن رجلا كانت له نخلة، فرعها في دار رجل فقير ذي عيال، وكان الرجل إذا جاء فدخل الدار، وصعد النخلة ليأخذ منها التمر، فربما سقطت التمرة، فيأخذها صبيان الفقير، فينزل الرجل من النخلة، حتى يأخذ التمر من أيديهم، فإن وجدها في في أحدهم، أدخل أصبعه حتى يأخذ التمرة من فيه. فشكا ذلك الرجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأخبره بما يلقى من صاحب النخلة. فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم. إذهب. ولقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صاحب النخلة فقال: تعطيني نخلتك المائلة التي فرعها في دار فلان، ولك بها نخلة في الجنة، فقال له الرجل: إن لي نخلا كثيرا، وما فيه نخلة أعجب إلي تمرة منها. قال: ثم ذهب الرجل. فقال رجل كان يسمع الكلام من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله أتعطيني ما أعطيت الرجل نخلة في الجنة إن أنا أخذتها؟ قال: نعم. فذهب الرجل، ولقي صاحب النخلة، فساومها منه، فقال له: أشعرت أن محمدا أعطاني بها نخلة في الجنة، فقلت له: يعجبني تمرتها، وإن لي نخلا كثيرا، فما فيه نخلة أعجب إلي تمرة منها. فقال له الآخر: أتريد بيعها؟ فقال: لا إلا أن أعطى ما لا أظنه أعطي. قال: فما مناك؟ قال أربعون نخلة. فقال الرجل: جئت بعظيم تطلب بنخلتك المائلة أربعين نخلة؟! ثم سكت عنه. فقال له: أنا أعطيك أربعين نخلة.