والمقربة: القرابة. ولا يقال فلان قرابتي، وإنما يقال: ذو قرابتي، لأنه مصدر كما قال الشاعر:
يبكي الغريب عليه، ليس يعرفه * وذو قرابته في الحي، مسرور والمتربة: الحاجة الشديدة من قولهم: ترب الرجل إذا افتقر.
المعنى: (لا أقسم بهذا البلد) أجمع المفسرون على أن هذا قسم بالبلد الحرام وهو مكة. وقد تقدم بيان قوله (لا أقسم) في سورة القيامة. (وأنت حل بهذا البلد) أي وأنت يا محمد مقيم به، وهو محلك. وهذا تنبيه على شرف البلد، بشرف من حل به من الرسول الداعي إلى توحيده، وإخلاص عبادته، وبيان أن تعظيمه له، وقسمه به، لأجله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكونه حالا فيه، كما سميت المدينة طيبة، لأنها طابت به حيا وميتا. وقيل: معناه وأنت محل بهذا البلد، وهو ضد المحرم.
والمراد: وأنت حلال لك قتل من رأيت به من الكفار، وذلك حين أمر بالقتال يوم فتح مكة، فأحلها الله له صلى الله عليه وآله وسلم حتى قاتل وقتل. وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يحل لأحد قبلي، ولا يحل لأحد من بعدي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار) عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وعطاء. وهذا وعد من الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم، أن يحل له مكة حتى يقاتل فيها، ويفتحها على يده، ويكون بها حلا، يصنع بها ما يريد من القتل والأسر. وقد فعل سبحانه ذلك، فدخلها غلبة وكرها، وقتل ابن أخطل، وهو متعلق بأستار الكعبة، ومقيس بن سبابة وغيرهما. وقيل: معناه لا أقسم بهذا البلد وأنت حل فيه، منتهك الحرمة، مستباح العرض، لا تحترم، فلم يبن للبلد حرمة، حيث هتكت حرمتك، عن أبي مسلم، وهو المروي عن عبد الله عليه السلام قال: كانت قريش تعظم البلد، وتستحل محمدا صلى الله عليه وآله وسلم فيه، فقال: لا أقسم بهذا البلد، وأنت حل بهذا البلد، يريد أنهم استحلوك فيه، فكذبوك وشتموك، وكانوا لا يأخذ الرجل منهم فيه قاتل أبيه، ويتقلدون لحاء شجر الحرم، فيأمنون بتقليدهم إياه، فاستحلوا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لم يستحلوا من غيره، فعاب الله ذلك عليهم.
ثم عطف على القسم فقال: (ووالد وما ولد) يعني آدم عليه السلام وذريته، عن الحسن ومجاهد وقتادة. وذلك أنهم خليقة أعجب من هذه الخليقة وهم عمار الدنيا.
وقيل: آدم وما ولد من الأنبياء والأوصياء، وأتباعهم، عن أبي عبد الله عليه السلام.