قال: ووجه قول من قال (يسري) بالياء، وصل أو وقف أن الفعل لا يحذف منه في الوقف، كما يحذف من الأسماء، نحو: قاض وغاز، فتقول: هو يقضي، وأنا أقضي، فتثبت الياء، ولا تحذف، كما تحذف من الاسم نحو هذا قاض. وليس إثبات الياء بالأحسن في الوقف من الحذف، وذلك أنها فاصلة، وجميع ما لا يحذف في الكلام، وما يختار فيه أن لا يحذف، نحو القاضي بالألف واللام يحذف إذا كان في قافية، أو فاصلة، قال سيبويه: والفاصلة نحو: (والليل إذا يسر)، و (يوم التناد)، و (الكبير المتعال). فإذا كان شئ من ذلك في كلام تام شبه بالفاصلة، فحسن حذفها نحو قوله. (ذلك ما كنا نبغ).
فإن قلت: كيف كان الاختيار فيه أن يحذف إذا كان في فاصلة أو قافية، وهذه الحروف من أنفس الكلم، وهلا لم يستحسن حذفها، كما أثبت سائر الحروف، ولم يحذف؟ والقول في ذلك: إن الفواصل والقوافي في مواضع الوقف، والوقف موضع تغير. فلما كان الوقف تغير فيه الحروف الصحيحة بالتضعيف والإسكان وروم الحركة، غيرت فيه هذه الحروف المشابهة للزيادة بالحذف. ألا ترى أن النداء لما كان في موضع حذف بالترخيم، والحذف للحروف الصحيحة ألزموا الحذف في أكثر الكلام، للحرف المتغير، وهو تاء التأنيث، فكذلك ألزم الحذف في الوقف لهذه الحروف المتغيرة، فجعل تغييرها الحذف، ولما يراع فيها ما روعي في الحروف الصحيحة، فسووا بينها وبين الزائد في الحذف للجزم نحو لم يغز، ولم يرم، ولم يخش، وأجروها مجرى الزائد في الإطلاق نحو: (وبعض القوم يخلق ثم لا يفري) (1). وما يمر، وما يحلو، كما قالوا: (أقوين من حجج ومن دهر) (2).
فلذلك اختير فيها الحذف في الفواصل والقوافي، وكذلك قوله: (جابوا الصخر