أي كيف بسطها الله ووسعها، ولولا ذلك لما صح الاستقرار عليها، والانتفاع بها، وهذه من نعم الله سبحانه على عباده، لا توازيها نعمة منعم. وفيها دلائل على توحيده، ولو تفكروا فيها لعلموا أن لهم صانعا صنعهم، وموجدا أوجدهم.
ولما ذكر سبحانه الأدلة، أمر نبيه بالتذكير بها فقال: (فذكر) يا محمد.
والتذكير التعريف للذكر بالبيان الذي يقع به الفهم. والنفع بالتذكير عظيم، لأنه طريق للعلم بالأمور التي يحتاج إليها. (إنما أنت مذكر) لهم بنعم الله تعالى عندهم، وبما يجب عليهم في مقابلتها من الشكر والعبادة. وقد أوضح الله تعالى طريق الحجج في الدين، وأكده غاية التأكيد بما لا يسع فيه التقليد بقوله: (إنما أنت مذكر) وقوله:
(وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين)، وقوله (إن في ذلك لآية لقوم يعقلون)، و (لقوم يذكرون)، و (يتفكرون). وقيل: إن المراد فذكرهم بهذه الأدلة، وأمرهم بالاستدلال بها، ونبههم عليها، عن الجبائي، وأبي مسلم. (لست عليهم بمصيطر) معناه: لست عليهم بمتسلط تسليطا، يمكنك أن تدخل الإيمان في قلوبهم، وتجبرهم عليه. وإنما الواجب عليك الإنذار، فاصبر على الإنذار والتبليغ والدعوة إلى الحق. وقيل: معناه لست عليهم بمتسلط الآن حتى تقاتلهم إن خالفوك، وكان هذا قبل نزول آية الجهاد. ثم نسخ بالأمر بالقتال. والوجه الصحيح أنه لا نسخ فيه لأن الجهاد ليس بأكره للقلوب. والمراد: إنك إنما بعثت للتذكير، وليس عليك من ترك قبولهم شئ. (إلا من تولى وكفر) أي أعرض عن الذكر، ولم يقبل منك، وكفر بالله، وبما جئت به، فكل أمره إلى الله، عن الحسن. وقيل:
معناه إلا من تولى وكفر، فلست له بمذكر، لأنه لا يقبل منك، فكأنك لست تذكره.
(فيعذبه الله العذاب الأكبر) وهو الخلود في النار، ولا عذاب أعظم منه. ثم ذكر سبحانه أن مرجعهم إليه فقال: (إن إلينا إيابهم) أي مرجعهم ومصيرهم بعد الموت (ثم إن علينا حسابهم) أي جزاءهم على أعمالهم. فهذا جامع بين الوعد والوعيد ومعناه: لا يهمنك أمرهم، فإنهم وإن عاندوك وآذوك، فمصير جميعهم إلى حكمنا، لا يفوتوننا، ومجازاتهم علينا، وعن قريب تقر عينك بما تراه في أعدائك.
النظم: يسأل كيف يتصل ذكر الإبل وما بعدها، بذكر وصف الجنان ونعيمها؟
(والجواب): إنه يتصل بأول السورة، والضمير في قوله (ينظرون) عائد إلى الذين وصفهم بقوله (عاملة ناصبة). وإنه لما ذكر عقابهم، وثواب المؤمنين، عاد عليهم