(يا ليتني قدمت لحياتي) العمل الصالح لآخرتي التي لا موت فيها.
ثم قال سبحانه: (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد) أي لا يعذب عذاب الله أحد من الخلق (ولا يوثق وثاقه أحد) أي وثاق الله أحد من الخلق. فالمعنى: لا يعذب أحد في الدنيا مثل عذاب الله الكافر يومئذ، ولا يوثق أحد في الدنيا بمثل وثاق الله الكافر يومئذ، وأما القراءة بفتح العين في (يعذب)، و (يوثق): فقد وردت الرواية عن أبي قلابة قال: أقرأني من أقرأه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد) والمعنى: لا يعذب أحد تعذيب هذا الكافر، إن قلنا إنه كافر بعينه، أو تعذيب هذا الصنف من الكفار، وهم الذين ذكروا في قوله (لا يكرمون اليتيم) الآيات. وهذا وإن أطلق فالأولى أن يكون المراد التقييد، لأنا نعلم أن إبليس أشد عذابا ووثاقا منه. وقيل: معناه لا يؤاخذ بذنبه غيره، والتقدير: لا يعذب أحد بعذابه، لأنه المستحق بعذابه، ولا يؤاخذ الله أحدا بجرم غيره.
(يا أيتها النفس المطمئنة) بالإيمان المؤمنة الموقنة المصدقة بالثواب والبعث، والطمأنينة: حقيقة الإيمان، عن الحسن ومجاهد. وقيل المطمئنة: الآمنة بالبشارة بالجنة عند الموت، ويوم البعث، عن ابن زيد. وقيل النفس المطمئنة: التي يبيض وجهها ويعطى كتابها بيمينها، فحينئذ تطمئن، عن الكلبي وأبي روق. (إرجعي إلى ربك) أي يقال لها عند الموت، عن أبي صالح. وقيل: عند البعث، عن عكرمة، والضحاك: إرجعي إلى ثواب ربك، وما أعده لك من النعيم، عن الحسن. وقيل:
إرجعي إلى الموضع الذي يختص الله سبحانه بالأمر والنهي فيه دون خلقه. وقيل: إن المراد إرجعي إلى صاحبك وجسدك، فيكون الخطاب للروح أن ترجع إلى الجسد، عن ابن عباس. (راضية) بثواب الله (مرضية) أعمالها التي عملتها. وقيل: راضية عن الله بما أعد الله لها، مرضية رضي عنها ربها بما عملت من طاعته. وقيل:
راضية بقضاء الله في الدنيا، حتى رضي الله عنها، ورضي بأفعالها واعتقادها.
(فأدخلي في عبادي) أي في زمرة عبادي الصالحين المصطفين الذين رضيت عنهم.
وهذه نسبة تشريف وتعظيم (وادخلي جنتي) التي وعدتكم بها، وأعددت نعيمكم فيها.
النظم: وجه اتصال قوله (فأما الانسان) الآية بما قبله فيه قولان أحدهما: إنه يتصل بقوله (إن ربك لبالمرصاد) أي هو بالمرصاد لأعمالهم، لا يخفى عليه شئ