(فما تنفعهم شفاعة الشافعين) أي شفاعة الملائكة والنبيين كما نفعت الموحدين، عن ابن عباس في رواية عطاء. وقال الحسن: لم تنفعهم شفاعة ملك، ولا شهيد، ولا مؤمن. ويعضد هذا الاجماع على أن عقاب الكفر لا يسقط بالشفاعة. وقد صحت الرواية عن عبد الله بن مسعود قال: يشفع نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم رابع أربعة: جبريل، ثم إبراهيم، ثم موسى، أو عيسى، ثم نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم لا يشفع أكثر مما يشفع فيه نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم، ثم النبيون، ثم الصديقون، ثم الشهداء ويبقى قوم في جهنم، فيقال لهم: (ما سلككم في سقر) إلى قوله (فما تنفعهم شفاعة الشافعين). قال ابن مسعود. فهؤلاء الذين يبقون في جهنم. وعن الحسن عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يقول الرجل من أهل الجنة يوم القيامة: أي رب عبدك فلان سقاني شربة من ماء في الدنيا فشفعني فيه، فيقول: إذهب فأخرجه من النار، فيذهب فيتجسس في النار حتى يخرجه منها). وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (إن من أمتي من سيدخل الله الجنة بشفاعته أكثر من مضر).
(فما لهم عن التذكرة معرضين) أي أي شئ لهم، ولم أعرضوا وتولوا عن القرآن، فلم يؤمنوا به. والتذكرة التذكير بمواعظ القرآن، والمعنى: لا شئ لهم في الآخرة إذا أعرضوا عن القرآن، ونفروا عنه (كأنهم حمر مستنفرة) أي كأنهم حمر وحشية نافرة (فرت من قسورة) يعني الأسد، عن عطاء والكلبي. قال ابن عباس:
الحمر الوحشية إذا عاينت الأسد هربت منه، كذلك هؤلاء الكفار إذا سمعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ القرآن هربوا منه. وقيل: القسورة الرماة، ورجال القنص (1)، عن ابن عباس بخلاف، والضحاك ومقاتل ومجاهد. وقال سعيد بن جبير: هم القناص (بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة) أي كتبا من السماء تنزل إليهم بأسمائهم، أن آمنوا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، عن الحسن وقتادة وابن زيد. وقيل: معناه أنهم يريدون صحفا من الله تعالى بالبراءة من العقوبة، وإسباغ النعمة حتى يؤمنوا، وإلا أقاموا على كفرهم. وقيل: يريد كل واحد منهم أن يكون رسولا يوحى إليه متبوعا، وأنف من أن يكون تابعا. وقيل: هو تفسير ما ذكره الله تعالى في قوله (ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه).