أي راجعون إلى الحق الذي تدعونا إليه متى كشف عنا العذاب. وفي الكلام حذف، لأن التقدير: فدعا موسى، وسأل ربه أن يكشف عنهم ذلك العذاب، فكشف الله عنهم ذلك. (فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون) أي يغدرون، وينقضون العهد. وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمعنى: فاصبر يا محمد على أذى قومك، فإن حالك معهم كحال موسى مع قومه، فيؤول أمرك إلى الإستعلاء على قومك، كما آل أمره إلى ذلك.
(ونادى فرعون في قومه) معناه: إنه لما رأى أمر موسى يزيد على الأيام ظهورا واعتلاء، خاف على مملكته، فأظهر الخداع، فخطب الناس بعد ما اجتمعوا (قال يا قوم أليس لي ملك مصر) أتصرف فيها كما أشاء. أراد بذلك إظهار بسطته في الملك والمال. (وهذه الأنهار) مثل النيل وغيرها (تجري من تحتي) أي من تحت أمري.
وقيل: إنها كانت تجري تحت قصره، وهو مشرف عليها. (أفلا تبصرون) هذا الملك العظيم، وقوتي، وضعف موسى. (أم أنا خير من هذا الذي هو مهين) أي ضعيف حقير يعني به موسى. قال سيبويه والخليل: عطف أنا بأم على قوله (أفلا تبصرون) لأن معنى أم أنا خير: معنى أم تبصرون، فكأنه قال: أفلا تبصرون أم تبصرون، لأنهم إذا قالوا له: أنت خير منه فقد صاروا بصراء عنده. وقيل: المهين الفقير الذي يمتهن نفسه في جميع ما يحتاج إليه، ليس له من يكفيه أمره. (ولا يكاد يبين) أي: ولا يكاد يفصح بكلامه وحججه للعقدة التي في لسانه. وقال الحسن:
كانت العقدة زالت عن لسانه، حين أرسله الله كما قال مخبرا عن نفسه: (وأحلل عقدة من لساني) ثم قال: (قد أوتيت سؤلك يا موسى). وإنما عيره بما كان في لسانه قبل. وقيل: كان في لسانه لثغة (1)، فرفعه (2) الله تعالى، وبقي فيه ثقل، عن الجبائي.
(فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب) أي هلا طرح عليه أسورة من ذهب إن كان صادقا في نبوته، وكان إذا سودوا رجلا سوروه بسوار من ذهب، وطوقوه بطوق من ذهب. (أو جاء معه الملائكة مقترنين) متتابعين يعينونه على أمره الذي بعث له،