(ولما ضرب ابن مريم مثلا) اختلف في المراد به على وجوه أحدها. إن معناه ولما وصف ابن مريم شبها في العذاب بالآلهة، أي فيما قالوه على زعمهم، وذلك أنه لما نزل قوله: (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم) قال المشركون: قد رضينا بأن تكون آلهتنا حيث يكون عيسى، وذلك قوله: (إذا قومك منه يصدون) أي يضجون ضجيج المجادلة، حيث خاصموك. وهو قوله: (وقالوا أآلهتنا خير أم هو) * أي ليست آلهتنا خيرا من عيسى، فإن كان عيسى في النار بأنه يعبد من دون الله، فكذلك آلهتنا، عن ابن عباس ومقاتل وثانيها: إن معناه لما ضرب الله المسيح مثلا بآدم في قوله: (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب) أي: من قدر على أن ينشئ آدم من غير أب وأم، قادر على إنشاء المسيح من غير أب، اعترض على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك قوم من كفار قريش، فنزلت هذه الآية وثالثها: إن معناه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما مدح المسيح وأمه، وأنه كآدم في الخاصية قالوا: إن محمدا يريد أن نعبده كما عبدت النصارى عيسى، عن قتادة ورابعها: ما رواه سادة أهل البيت عن علي، عليهم أفضل الصلوات، أنه قال: جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوما، فوجدته في ملأ من قريش، فنظر إلي ثم قال: (يا علي! إنما مثلك في هذه الأمة كمثل عيسى بن مريم، أحبه قوم فأفرطوا في حبه فهلكوا، وأبغضه قوم فأفرطوا في بغضه فهلكوا، واقتصد فيه قوم فنجوا). فعظم ذلك عليهم فضحكوا وقالوا: يشبهه بالأنبياء والرسل! فنزلت الآية: (وقالوا أآلهتنا خير أم هو) أي آلهتنا أفضل أم المسيح، فإذا كان المسيح في النار رضينا أن تكون آلهتنا معه، عن السدي وابن زيد. وقيل: معناه إن آلهتنا خير من المسيح، فإذا عبد المسيح جاز أن تعبد آلهتنا، عن الجبائي.
وقيل: هو كناية عن محمد صلى الله عليه وآله وسلم والمعنى: آلهتنا خير من محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو يأمرنا بأن نعبده كما عبد النصارى المسيح، ونطيعه ونترك آلهتنا، عن قتادة. وقال علي بن عيسى: معنى سؤالهم بقولهم (أآلهتنا خير أم هو) أنهم ألزموا ما لا يلزم على ظن منهم وتوهم، كأنهم قالوا. ومثلنا فيما نعبد، مثل ما يعبد المسيح، فأيما خير عبادة آلهتنا، أم عبادة المسيح؟ على أنه إن قال عبادة المسيح أقر بعبادة غير الله، وكذلك إن قال عبادة الأوثان وإن قال: ليس في عبادة المسيح خير، قصر به عن المنزلة التي أبين لأجلها من سائر العباد. وجوابهم عن ذلك: إن اختصاص المسيح بضرب من التشريف والإنعام عليه، لا يوجب العبادة له، كما لا يوجب أن ينعم عليه بأعلى مراتب النعمة.