والتقدير الصحيح ما ذهب إليه الخليل من أن يحمل (يرسل) على أن يوحي الذي يدل عليه وحيا، فصار التقدير: ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا أن يوحي وحيا، أو يرسل رسولا فيوحي.
ويجوز في قوله (إلا وحيا) أمران أحدهما: أن يكون استثناء منقطعا والآخر.
أن يكون حالا. فإن قدرته استثناء منقطعا لم يكن في الكلام شئ يوصل بمن، لأن ما قبل الاستثناء لا يعمل فيما بعده، لأن حرف الاستثناء في معنى حرف النفي. ألا ترى أنك إذا قلت: قام القوم إلا زيدا، فالمعنى. قام القوم لا زيد. فكما لا يعمل ما قبل حرف النفي فيما بعده، كذلك لا يعمل ما قبل الاستثناء إذا كان كلاما تاما فيما بعده، إذ كان بمعنى النفي.
وكذلك لا يجوز أن يعمل ما بعد إلا فيما قبلها، نحو: ما أنا الخبز إلا آكل، كما لم يعمل ما بعد حرف ماض فيما قبله. فإذا كان كذلك لم يتصل الجار بما قبل إلا، ويمتنع أن يتصل به الجار من وجه آخر، وهو أن قوله. (أو من وراء حجاب) في صلة وحي الذي هو بمعنى أن يوحي. فإذا كان كذلك لم يجز أن يحمل الجار الذي هو من قوله: (أو من وراء حجاب) على (أو يرسل)، لأنك تفصل بين الصلة والموصول بما ليس منهما. ألا ترى أن المعطوف على الصلة في الصلة. فإذا حملت على العطف على ما ليس في الصلة، فصلت بين الصلة والموصول بالأجنبي الذي ليس منهما. فإذا لم يجز حمله على (يكلمه) من قوله: (ما كان لبشر أن يكلمه الله)، ولم يكن بد من أن يعلق الجار بشئ، ولم يكن في اللفظ شئ تحمله عليه، أضمرت يكلم، وجعلت الجار في قوله: (أو من وراء حجاب) متعلقا بفعل مراد في الصلة، محذوف منها، للدلالة عليه.
وقد يحذف من الصلة أشياء للدلالة عليها، ويكون في المعنى معطوفا على الفعل المقدر صلة، لأن الموصولة، وهي يوحي، فيكون التقدير: ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا أن يوحي إليه، أو يكلمه من وراء حجاب. فحذف يكلم من الصلة، لأن ذكره قد جرى، وإن كان خارجا من الصلة فحسن ذلك حذفه من الصلة وسوغه.
ألا ترى أن ما قبل حرف الاستفهام مثل ما قبل الصلة، في أنه لا يعمل قي الصلة، كما لا يعمل ما قبل الاستفهام فيما كان من حيز الاستفهام. وقد جاء: (الآن وقد عصيت قبل) والمعنى: الآن آمنت وقد عصيت قبل. فلما كان ذكر الفعل قد جرى