وحكي أن زفر كان يذهب إلى أنه إذا قال: (أشهد بالله) كان يمينا، وإن قال:
(أشهد) ولم يقل (بالله) لم يره يمينا. وقال محمد الشيباني: (أشهد) غير موصولة بقوله (بالله)، مثل أشهد موصولة بقولك بالله في أنه يمين، واستشهد على ذلك بقوله: (قالوا نشهد أنك لرسول الله). ثم قال: (والله يشهد أن المنافقين لكاذبون اتخذوا أيمانهم جنة). فجعله يمينا، ولم يوصل بقوله (بالله).
وأما شهدت الذي يراد به علمت، ولا يراد به حضرت، فهو ضرب من العلم مخصوص، فكل شهادة علم، وليس كل علم شهادة. ومما يدل على اختصاصه في العلم، أنه لو قال عند الحاكم: أعلم أن لزيد على عمرو عشرة، لم يحكم بها حتى يقول (أشهد). فالشهادة مثل التيقن في أنه ضرب من العلم مخصوص، وليس كل علم تيقنا، وإن كان كل تيقن علما، فكان معنى أشهد أيها الحاكم على كذا: أعلمه علما يحضرني. وقد تذلل لي فلا أتوقف فيه لوضوحه عندي، وتبينه لي. وليس كذلك سبيل المعلومات كلها. ألا ترى أن منها ما يحتاج إلى توقف فيه، واستدلال عليه.
وأما قوله (أشهدوا خلقهم) فمن الشهادة التي هي الحضور، كأنهم وبخوا على أن قالوا ما لم يحضروه مما حكمه أن يعلم بالمشاهدة. ومن قال: (أشهدوا خلقهم) فالمعنى أحضروا ذلك. وكان الفعل متعديا إلى مفعولين. فلما بني للمفعول به، نقص مفعولا، فتعدى الفعل إلى مفعول واحد. ويقوي هذه القراءة: (ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض). وأما قوله (إني أشهد الله) و (أشهدوا فحذف المفعول (1) الأول على حد: ضربني وضربت. وهذا منقول من شهد بكذا إلا أن حرف الجر يحذف مع أن، وإن.
المعنى: ثم أنكر سبحانه عليهم قولهم فقال: (أم) وهذا استفهام إنكار وتوبيخ ومعناه: بل (اتخذ مما يخلق بنات) أي اتخذ ربكم لنفسه البنات (وأصفاكم) أي أخلصكم (بالبنين) وهذا كقوله: (أفأصفاكم ربكم بالبنين) الآية. ثم زاد في