فانتصابه من باب صنع الله، لأن قوله: (أفنضرب عنكم الذكر) يدل على أن نصفح عنكم صفحا. وكأن قولهم: صفحت عنه أي أعرضت عنه ووليته صفحة العنق.
فالمعنى: أفنضرب عنكم ذكر الانتقام منكم، والعقوبة لكم، لأن كنتم قوما مسرفين. وهذا يقرب من قوله: (أيحسب الانسان أن يترك سدى). والكسر على أنه جزاء استغني عن جوابه بما تقدمه مثل: أنت ظالم إن فعلت كذا، كأنه قال. إن كنتم مسرفين نضرب.
اللغة: يقال. ضربت عنه، وأضربت عنه أي: تركته وأمسكت عنه. ويقال:
صفح عني بوجهه. قال كثير، وذكر امرأة:
صفوحا فما تلقاك إلا بخيلة، فمن مل منها ذلك الوصل ملت (1) أي: معرضة بوجهها. والصفوح في صفات الله تعالى معناه: العفو عن الذنب، كأنه أعرض عن مجازاته تفضلا، يقال: صفح عن ذنبه إذا عفا.
والإسراف: مجاوزة الحد في العصيان.
المعنى: (حم) مر معناه (والكتاب المبين) أقسم بالقرآن المبين للحلال والحرام، المبين ما يحتاج إليه الأنام من شرائع الاسلام (إنا جعلناه) أي أنزلناه، عن السدي. وقيل: قلناه، عن مجاهد، ونظيره (ويجعلون لله البنات) أي يقولون. (قرآنا عربيا) أي بلسان العرب. والمعنى. جعلناه على طريقة العرب في مذاهبهم في الحروف، والمفهوم، ومع ذلك فإنه لا يتمكن أحد منهم من إنشاء مثله، والابتداء بما يقاربه من علو طبقته في البلاغة والفصاحة، إما لعدم علمهم بذلك، أو لأنهم صرفوا عنه على الخلاف بين العلماء فيه.
(لعلكم تعقلون) أي: لكي تعقلوا وتتفكروا فيه، فتعلموا صدق من ظهر على يده. وفي هذه الآية دلالة على حدوث القرآن، لأن المجعول هو المحدث بعينه.
(وإنه) يعني القرآن (في أم الكتاب) أي: في اللوح المحفوظ، وإنما سمي أما، لأن سائر الكتب تنسخ منه. وقيل: لأن أصل كل شئ أمه. والقرآن مثبت عند الله في اللوح المحفوظ، كما قال: (بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ) عن الزجاج،