دعاهم إليه من أمور الدين. (وأقاموا الصلاة) أي: أداموها في أوقاتها بشرائطها (وأمرهم شورى بينهم) يقال: صار هذا الشئ شورى بين القوم إذا تشاوروا فيه، وهو فعلى من المشاورة، وهي المفاوضة في الكلام، ليظهر الحق أي: لا يتفردون بأمر حتى يشاوروا غيرهم فيه. وقيل: إن المعني بالآية الأنصار، كانوا إذا أرادوا أمرا قبل الاسلام، وقبل قدوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم اجتمعوا وتشاوروا، ثم عملوا عليه، فأثنى الله عليهم بذلك. وقيل: هو تشاورهم حين سمعوا بظهور النبي صلى الله عليه وآله وسلم وورود النقباء عليه، حتى اجتمعوا في دار أبي أيوب على الإيمان به، والنصرة له، عن الضحاك.
وفي هذا دلالة على فضل المشاورة في الأمور. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
(ما من رجل يشاور أحدا إلا هدي إلى الرشد).
(ومما رزقناهم ينفقون) في طاعة الله تعالى، وسبيل الخير (والذين إذا أصابهم البغي) من غيرهم (هم ينتصرون) ممن بغى عليهم، من غير أن يعتدوا، عن السدي. وقيل: ينتصرون أي يتناصرون ينصر بعضهم بعضا نحو يختصمون ويتخاصمون، عن أبي مسلم. وقيل: يعني به المؤمنين الذين أخرجهم الكفار من مكة، وبغوا عليهم، ثم مكنهم الله في الأرض، حتى انتصروا ممن ظلمهم، عن عطاء. وقيل: جعل الله المؤمنين صنفين: صنف يعفون عمن ظلمهم، وهم الذين ذكروا قبل هذه الآية، وهو قوله: (وإذا ما غضبوا هم يغفرون) وصنف ينتصرون ممن ظلمهم، وهم الذين ذكروا في هذه الآية. فمن انتصر وأخذ بحقه، ولم يجاوز في ذلك ما حد الله، فهو مطيع لله. ومن أطاع الله، فهو محمود، عن ابن زيد.
ثم ذكر سبحانه حد الإنتصار فقال: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) قيل: هو جواب القبيح إذا قال: أخزاك الله، تقول: أخزاك الله، من غير أن تعتدي، عن ابن نجيح والسدي ومجاهد. وقيل: يعني القصاص في الجراحات والدماء، عن مقاتل.
وسمى الثانية سيئة، لأنها في مقابلة الأولى، كما قال: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم).
ثم ذكر سبحانه العفو فقال: (فمن عفى وأصلح فأجره على الله) أي: فمن عفا عما له المؤاخذة به، وأصلح أمره فيما بينه وبين ربه، فثوابه على الله (إنه لا يحب الظالمين). ثم بين سبحانه أنه لم يرغب المظلوم في العفو عن الظالم لميله