وقيل: يغشاها من النور والبهاء، والحسن والصفاء الذي يروق الأبصار، ما ليس لوصفه منتهى، عن الحسن. وقيل: يغشاها فراش من ذهب، عن ابن عباس ومجاهد. وكأنها ملائكة على صورة الفراش يعبدون الله تعالى. والمعنى: إنه رأى جبرائيل (ع) على ما صورته في الحال التي يغشى فيها السدرة من أمر الله، ومن العجائب المنبهة على كمال قدرة الله: تعالى، ما يغشاها. وإنما أبهم الأمر فيما يغشى، لتعظيم ذلك وتفخيمه، كما قال: (فأوحى إلى عبده ما أوحى). وقوله (ما يغشى) أبلغ لفظ في هذا المعنى.
(ما زاغ البصر وما طغى) أي: ما زاغ بصر محمد (ص)، ولم يمل يمينا ولا شمالا، وما طغى أي: ما جاوز القصد، ولا الحد الذي حدد له. وهذا وصف أدبه، صلوات الله عليه وآله، في ذلك المقام إذ لم يلتفت جانبا، ولم يمل بصره، ولم يمده أمامه إلى حيث ينتهي. (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) وهي الآيات العظام التي رآها تلك الليلة مثل: سدرة المنتهى، وصورة جبرائيل (ع)، ورؤيته وله ستمائة جناح، قد سد الأفق بأجنحته، عن مقاتل، وابن زيد، والجبائي. ومن للتبعيض أي: رأى بعض آيات ربه. وقيل: إنه رأى رفرفا أخضر من رفارف الجنة قد سد الأفق، عن ابن مسعود. وقيل: إنه قد رأى ربه بقلبه، عن ابن عباس. فعلى هذا فيمكن أن يكون المراد: إنه رأى من الآيات ما ازداد به يقينا إلى يقينه.
والكبرى: تأنيث الأكبر، وهو الذي يصغر مقدار غيره عنده في معنى صفته.
ولما قص الله سبحانه هذه الأقاصيص، عقبها سبحانه بأن خاطب المشركين فقال: (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى) أي أخبرونا عن هذه الآلهة التي تعبدونها من دون الله، وتعبدون معها الملائكة، وتزعمون أن الملائكة بنات الله.
وقيل: معناه أفرأيتم أيها الزاعمون أن اللات والعزى ومناة، بنات الله، لأنه كان منهم من يقول إنما نعبد هؤلاء لأنهم بنات الله، عن الجبائي. وقيل: إنهم زعموا أن الملائكة بنات الله، وصوروا أصنامهم على صورهم، وعبدوها من دون الله، واشتقوا لها أسماء من أسماء الله، فقالوا: اللات من الله، والعزى من العزيز. وكان الكسائي يختار الوقف على اللات بالتاء، لاتباع المصحف، لأنها كتبت بالتاء.
والعزى: تأنيث الأعز، وهي بمعنى العزيزة. وقيل: إن اللات صنم كانت ثقيف تعبده، والعزى: صنم أيضا، عن الحسن وقتادة. وقيل: إنها كانت شجرة سمرة