الأرض، وأجرى العادة بخلق الأشياء عند ضرب من تركيبها، فكأنه سبحانه أنشأهم منها. (وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم) أي في وقت كونكم أجنة في الأرحام، أي علم من كل نفس ما هي صانعة، وإلى ما هي صائرة، عن الحسن. وقيل: معناه أنه سبحانه علم ضعفكم، وميل طباعكم إلى اللمم، وعلم حين كنتم في الأرحام ما تفعلون إذا خرجتم، وإذا علم ذلك منكم قبل وجوده، فكيف لا يعلم ما حصل منكم.
(فلا تزكوا أنفسكم) أي لا تعظموها، ولا تمدحوها بما ليس لها، فإني أعلم بها. وقيل: معناه لا تزكوها بما فيها من الخير، ليكون أقرب إلى النسك والخشوع، وأبعد من الرياء (هو أعلم بمن اتقى) أي اتقى الشرك والكبائر. وقيل: هو أعلم بمن بر وأطاع وأخلص العمل (أفرأيت الذي تولى) أي أدبر عن الحق (وأعطى قليلا وأكدى) أي أمسك عن العطية وقطع، عن الفراء. وقيل: منع منعا شديدا، عن المبرد (أعنده علم الغيب) أي ما غاب عنه من أمر العذاب. (فهو يرى) أي يعلم أن صاحبه يتحمل عنه عذابه (أم لم ينبأ بما في صحف موسى) أي بل ألم يخبر ولم يحدث بما في أسفار التوراة. (وإبراهيم) أي وفي صحف إبراهيم (الذي وفى) أي تمم وأكمل ما أمر به. وقيل: بلغ قومه وأدى ما أمر به إليهم. وقيل: أكمل ما أوجب الله عليه من كل ما أمر وامتحن به.
ثم بين ما في صحفهما فقال: (ألا تزر وازرة وزر أخرى) أي لا تحمل نفس حاملة حمل أخرى. والمعنى: لا تؤخذ نفس بإثم غيرها (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) عطف على قوله (ألا تزر) وهذا أيضا ما في صحف إبراهيم وموسى أي:
ليس له من الجزاء ألا جزاء ما عمله دون ما عمله غيره. ومتى دعا غيره إلى الإيمان فأجابه إليه فهو محمود على ذلك، على طريق التبع، وكأنه من أجل عمله صار له الحمد على هذا، ولو لم يعمل شيئا لما استحق جزاء، لا ثوابا ولا عقابا (1)، عن ابن عباس في رواية الوالبي قال: إن هذا منسوخ الحكم في شريعتنا، لأنه سبحانه يقول: (ألحقنا بهم ذرياتهم) رفع درجة الذرية، وإن لم يستحقوها بأعمالهم، ونحو هذا قال عكرمة: إن ذلك لقوم إبراهيم وموسى. فأما هذه الأمة فلهم ما سعى