رويدا أنى يذهب بك! إنما رأى جبرائيل في صورة، من حدثك أن محمدا (ص) رأى ربه فقد كذب، والله تعالى يقول: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار). ومن حدثك أن محمدا (ص) يعلم الحس من الغيب، فقد كذب والله تعالى يقول: (إن الله عنده.
علم الساعة) إلى آخره. ومن حدثك أن محمدا (ص) كتم شيئا من ، الوحي، فقد كذب، والله تعالى يقول: (بلغ ما انزل إليك من ربك) ولقد بين الله سبحانه ما رآه النبي (ص) بيانا شافيا، فقال: (لقد رأى من آيات ربه الكبرى).
(أفتمارونه) أي أفتجادلونه (على ما يرى) وذلك أنهم جادلوه حين أسري به فقالوا له: صف لنا بيت المقدس، وأخبرنا عن عيرنا في طريق الشام، وغير ذلك مما جادلوه به. ومن قرأ (أفتمرونه) فالمعنى: أفتجحدونه. يقال: مريت الرجل حقه إذا جحدته. وقيل: معناه أفتدفعونه عما يرى، وعلى في موضع في، عن المبرد.
والمعنيان متقاربان، لأن كل مجادل جاحد. (ولقد رآه نزلة أخرى) أي رأى جبرائيل في صورته التي خلق عليها، نازلا من السماء نزلة أخرى، وذلك أنه رآه مرتين في صورته على ما مر ذكره.
(عند سدرة المنتهى) أي رآه محمد (ص) وهو عند سدرة المنتهى وهي شجرة عن يمين العرش، فوق السماء السابعة، انتهى إليها علم كل ملك، عن الكلبي ومقاتل. وقيل: إليها ينتهي ما يعرج إلى السماء، وما يهبط من فوقها من أمر الله، عن ابن مسعود والضحاك. وقيل: إليها تنتهي أرواح الشهداء. وقيل: إليها ينتهي ما يهبط به من فوقها، ويقبض منها، وإليها ينتهي ما يعرج من الأرواح، ويقبض منها.
والمنتهى: موضع الانتهاء. وهذه الشجرة حيث انتهى إليه الملائكة، فأضيفت إليه.
وقيل: هي شجرة طوبى، عن مقاتل. والسدرة هي شجرة النبوة.
(عندها جنة المأوى) أي عند سدرة المنتهى جنة المقام، وهي جنة الخلد، وهي في السماء السابعة. وقيل: في السماء السادسة. وقيل: هي الجنة التي كان أوى إليها آدم، وتصير إليها أرواح الشهداء، عن الجبائي وقتادة. وقيل: هي التي يصير إليها أهل الجنة، عن الحسن. وقيل: هي التي يأوي إليها جبرائيل والملائكة، عن عطا، عن ابن عباس. (إذ يغشى السدرة ما يغشى) قيل: يغشاها الملائكة أمثال الغربان، حين يقعن على الشجر، عن الحسن ومقاتل. وروي أن النبي (ص) قال: (رأيت على كل ورقة من أوراقها ملكا قائما، يسبح الله تعالى).