ثم أخبر سبحانه عن كفار قوم نبينا (ص) الذين ذكرهم في أول السورة فقال:
(إن هؤلاء ليقولون إن هي إلا موتتنا الأولى) أي ما الموتة إلا موتة نموتها في الدنيا، ثم لا نبعث بعدها، وهو قوله: (وما نحن بمنشرين) أي بمبعوثين، ولا معادين (فائتوا بآبائنا) الذين ماتوا قبلنا، وأعيدوهم (إن كنتم صادقين) في أن الله تعالى يقدر على إعادة الأموات وإحيائهم. وقيل: إن قائل هذا أبو جهل بن هشام قال: إن كنت صادقا فابعث جدك قصي بن كلاب، فإنه كان رجلا صادقا، لنسأله عما يكون بعد الموت. وهذا القول جهل من أبي جهل من وجهين أحدهما: إن الإعادة إنما هي للجزاء، لا للتكليف. وليست هذه الدار بدار جزاء، ولكنها دار تكليف، فكأنه قال: إن كنت صادقا في إعادتهم للجزاء، فأعدهم للتكليف. والثاني: إن الإحياء في دار الدنيا إنما يكون للمصلحة، فلا يقف ذلك على اقتراحهم، لأنه ربما تعلق بذلك مفسدة.
ولما تركوا الحجة وعدلوا إلى الشبهة جهلا، عدل سبحانه في إجابتهم إلى الوعيد والوعظ فقال: (أهم خير أم قوم تبع) أي أمشركو قريش أظهر نعمة، وأكثر أموالا، وأعز في القوة والقدرة، أم قوم تبع الحميري الذي سار بالجيوش حتى حير (1) الحيرة، ثم أتى سمرقند فهدمها، ثم بناها، وكان إذا كتب كتب باسم الذي ملك برا وبحرا وضحا وريحا، عن قتادة. وسمي تبعا لكثرة أتباعه من الناس. وقيل: سمي تبعا لأنه تبع من قبله من ملوك اليمن. والتبابعة. اسم ملوك اليمن. فتبع لقب له كما يقال خاقان لملك الترك، وقيصر لملك الروم واسمه أسعد (2) أبو كرب. وروى سهل بن سعد عن النبي (ص) أنه قال: " لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم ". وقال كعب: نعم الرجل الصالح ذم الله قومه، ولم يذمه. وروى الوليد بن صبيح، عن أبي عبد الله (ع) قال: إن تبعا قال للأوس والخزرج كونوا ههنا، حتى يخرج هذا النبي. أما أنا لو أدركته لخدمته وخرجت معه.
(والذين من قبلهم) يعني من تقدمهم من قوم نوح وعاد وثمود. (أهلكناهم)