(وعيون) جارية (وزروع) كثيرة (ومقام كريم) أي مجالس شريفة، ومنازل خطيرة. وقيل: هي المناظر الحسنة، ومجالس الملوك، عن مجاهد. وقيل: منابر الخطباء، عن ابن عباس. وقيل: المقام الكريم الذي يعطي اللذة، كما يعطي الرجل الكريم الصلة، عن علي بن عيسى. (ونعمة كانوا فيها فاكهين) أي وتنعم وسعة في العيش، كانوا ناعمين متمتعين، كما يتمتع الأكل بأنواع الفواكه.
(كذلك) قال الكلبي: معناه كذلك أفعل بمن عصاني. (وأورثناها قوما آخرين) إيراث النعمة: تصييرها إلى الثاني بعد الأول بغير مشقة، كما يصير الميراث إلى أهله على تلك الصفة. فلما كانت نعمة قوم فرعون، وصلت بعد هلاكهم إلى غيرهم، كان ذلك إيراثا من الله لهم وأراد بقوم آخرين بني إسرائيل، لأنهم رجعوا إلى مصر بعد هلاك فرعون.
(فما بكت عليهم السماء والأرض) اختلف في معناه على وجوه أحدها: إن معناه لم تبك عليهم أهل السماء والأرض، لكونهم مسخوطا عليهم، عن الحسن.
فيكون مثل قوله: (حتى تضع الحرب أوزارها) أي أصحاب الحرب، ونحوه قول الحطيئة:
وشر المنايا ميت وسط أهله، * كهلك الفتى قد أسلم الحي حاضره (1) أي وشر المنايا ميتة ميت. وقال ذو الرمة:
لهم مجلس صهب السبال (2)، أذلة * سواسية (3)، أحرارها، وعبيدها أي لهم أهل مجلس وثانيها: إنه سبحانه أراد المبالغة في وصف القوم بصغر القدر، فإن العرب إذا أخبرت عن عظم المصاب بالهالك قالت: بكاه السماء والأرض، وأظلم لفقده الشمس والقمر. قال جرير يرثي عمر بن عبد العزيز: