تعالى (وجعلوا لله شركاء الجن) في أن المفعول الثاني من هذا الباب قد تقدم على المفعول الأول. ولو قرأ بالرفع (هارون) لكان خبر مبتدأ محذوف، كأنه قيل: من هذا الوزير؟ فقيل: هو هارون. و (كثيرا): نعت مصدر محذوف في الموضعين أي: تسبيحا كثيرا، وذكرا كثيرا. ويجوز أن يكون نعتا لظرف محذوف تقديره:
نسبحك وقتا كثيرا، ونذكرك وقتا كثيرا.
المعنى: ثم بين سبحانه ما أعطى موسى من المعجزات، فقال: (وما تلك بيمينك يا موسى) سأله عما في يده من العصا تنبيها له عليها، ليقع المعجز بها بعد التثبت فيها، والتأمل لها. (قال) موسى (هي عصاي أتوكأ عليها) أي: أعتمد عليها إذا مشيت. والتوكؤ: التحامل على العصا في المشي (وأهش بها على غنمي) أي. وأخبط بها ورق الشجر لترعاه غنمي. (ولي فيها مآرب أخرى) ولم يقل (أخر) ليوافق رؤوس الآي. أي: حاجات أخرى، فنص على اللازم، وكنى عن العارض.
قال ابن عباس. كان يحمل عليها زاده، ويركزها فيخرج منه الماء، ويضرب بها الأرض فيخرج ما يأكل، وكان يطرد بها السباع. وإذا ظهر عدو حاربت. وإذا أراد الاستسقاء من بئر طالت وصارت شعبتاها كالدلو. وكان يظهر عليها كالشمعة فتضئ له الليل. وكانت تحدثه وتؤنسه. وإذا طالت شجرة حناها بمحجنها (1).
(قال) الله سبحانه (ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حية تسعى) أي: تمشي بسرعة. وقيل: صارت حية صفراء لها عرف كعرف الفرس، وجعلت تتورم حتى صارت ثعبانا، وهي أكبر من الحيات، عن ابن عباس. وقيل: إنه ألقاها، وحانت منه نظرة، فإذا بأعظم ثعبان نظر إليه الناظرون، ويمر بالصخرة مثل الخلفة من الإبل فيلقمها، وتطعن أنيابه في أصل الشجرة العظيمة فتجثها (2)، وعيناه تتوقدان نارا. وقد عاد المحجن عنقا فيه شعر مثل النيازك (3). فلما عاين ذلك ولى مدبرا ولم يعقب. ثم ذكر ربه فوقف استحياء منه، ثم نودي. يا موسى! إرجع إلى حيث كنت. فرجع وهو شديد الخوف.
ف (قال خذهما) بيمينك (ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى) أي. سنعيدها