ولما ظن كثير من الأصحاب أن الأمر بالسعي إلى الجمعة أو شهودها أمر بعقدها، ظنوا الإذن في عقدها بالكتاب والسنة المستفيضة، بل المتواترة من غير شرط لاطلاقها. وبما سمعته منا تعرف أن الذي يتوهم منه الإذن مطلقا، إنما هي أخبار ثلاثة، وفي دلالتها أيضا ما عرفت، ثم الإذن في كل زمان لا بد من صدوره عن إمام ذلك الزمان، فلا يجدي زمن الغيبة إلا إذن الغائب، ولم يوجد قطعا، أو نص إمام من الأئمة على عموم جواز فعلها في كل زمان، وهو أيضا مفقود.
وما يقال: من أن حكمهم كحكم النبي صلى الله عليه وآله على الواحد حكمهم على الجماعة إلا إذا دل على الخصوص دليل فهو صواب في غير حقوقهم، فإذا أحل أحدهم حقه من الخمس - مثلا - لرجل لم يعم غيره ولشيعته لم يعم شيعة غيره من الأئمة، فكذا الإذن في الإمامة خصوصا إمام الجمعة التي لا خلاف لأحد من المسلمين في أنه إذا حضر إمام الأصل لم يجز لغيره الإمامة فيها إلا بإذنه، ولو لم يعم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولم يحرم كتمان العلم وترك الحكم بما أنزل الله لم يجز للفقهاء الحكم ولا الإفتاء زمن الغيبة إلا بإذن الغائب عليه السلام، ولم يكف لهم إذن من قبله وجعله عليه السلام قاضيا.
وفي السرائر: إن أربع ركعات في الذمة بيقين، فمن قال: صلاة ركعتين تجزي من الأربع يحتاج إلى دليل، فلا يرجع عن المعلوم بالمظنون، وأخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا (1)، إنتهى.
ويرد على ظاهره أن اشتغال الذمة يوم الجمعة بالأربع غير معلوم، والأصل العدم، وتوجيهه ما عرفته من الاتفاق على الأربع ما لم يحصل الإذن في الاقتصار على الركعتين، فلا يجوز الاقتصار عليهما ما لم يعلم الإذن.
وإن قيل: بل ندعي أن الذمة مشغولة بالركعتين المقرونتين بخطبتين المنفردتين عن ركعتين أخريين، فما لم يعلم الإذن في الأربع، لم يبرأ الذمة بيقين.