قلت: لا نعلم لما قاله في اللفظين حجة، ولا دليل له فيما ذكره، فإن مراد القائل بمستقر الرحمة: الجنة، ومعناه: جمع بيننا في الجنة التي هي دار القرار ودار المقامة ومحل الاستقرار، وإنما يدخلها الداخلون برحمة الله تعالى، ثم من دخلها استقر فيها أبدا، وأمن الحوادث والأكدار، وإنما حصل له ذلك برحمة الله تعالى، فكأنه يقول:
أجمع بيننا في مستقر نناله برحمتك.
فصل: روى النحاس عن أبي بكر المتقدم قال: لا يقل: اللهم أجرنا من النار ولا يقل: اللهم ارزقنا شفاعة النبي (صلى الله عليه وسلم) فإنما يشفع لمن استوجب النار.
قلت: هذا خطأ فاحش، وجهالة بينة، ولولا خوف الاغترار بهذا الغلط وكونه قد ذكر في كتب مصنفة لما تجاسرت على حكايته، فكم من حديث في الصحيح جاء في ترغيب المؤمنين الكاملين بوعدهم شفاعة النبي (صلى الله عليه وسلم)، لقوله (صلى الله عليه وسلم):
1154 - " من قال مثل ما يقول المؤذن حلت له شفاعتي " وغير ذلك.
ولقد أحسن الإمام الحافظ الفقيه أبو الفضل عياض رحمه الله في قوله: قد عرف بالنقل المستفيض سؤال السلف الصالح رضي الله عنهم شفاعة نبينا (صلى الله عليه وسلم) ورغبتهم فيها قال: وعلى هذا لا يلتفت إلى كراهة من كره ذلك لكونها لا تكون إلا للمذنبين، لأنه ثبت في الأحاديث في " صحيح مسلم " وغيره إثبات الشفاعة لأقوام في دخولهم الجنة بغير حساب، ولقوم في زيادة درجاتهم في الجنة، قال: ثم كل عاقل معترف بالتقصير، محتاج إلى العفو، مشفق من كونه من الهالكين، ويلزم هذا القائل أن لا يدعو بالمغفرة والرحمة، لأنهما لأصحاب الذنوب، وكل هذا خلاف ما عرف من دعاء السلف والخلف.
فصل: ومن ذلك ما حكاه الناس عن هذا المذكور، قال: لا تقل: توكلت على ربي الرب الكريم، وقل: توكلت على ربي الكريم. قلت: لا أصل لما قال.
فصل: ومن ذلك ما حكي عن جماعة من العلماء أنهم كرهوا أن يسمى الطواف بالبيت شوطا أو دورا، قالوا: بل يقال للمرة الواحدة طوفة، وللمرتين طوفتان، وللثلاث طوفات، وللسبع طواف.
قلت: وهذا الذي قالوه لا نعلم له أصلا، ولعلهم كرهوه لكونه من ألفاظ الجاهلية، والصواب المختار أنه لا كراهة فيه.