كثيرة، والمراد بذلك (1) عقد القلب (2) وحكمه على غيرك بالسوء، فأما الخواطر، وحديث النفس، إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه فمعفو عنه باتفاق العلماء، لأنه لا اختيار له في وقوعه، ولا طريق له إلى الانفكاك عنه.
1052 - وهذا هو المراد بما ثبت في الصحيح عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: " إن الله تجاوز لامتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل " (3).
قال العلماء: المراد به الخواطر التي لا تستقر. قالوا: وسواء كان ذلك الخاطر غيبة أو كفرا أو غيره، فمن خطر له الكفر مجرد خطر من غير تعمد لتحصيله، ثم صرفه في الحال، فليس بكافر، ولا شئ عليه.
وقد قدمنا في " باب الوسوسة " في الحديث الصحيح أنهم قالوا: " يا رسول الله يجد أحدنا ما يتعاظم أن يتكلم به، قال: ذلك صريح الإيمان " (4) وغير ذلك مما ذكرناه هناك وما هو في معناه. وسبب العفو ما ذكرناه من تعذر اجتنابه، وإنما الممكن اجتناب الاستمرار عليه فلهذا كان الاستمرار وعقد القلب حراما ومهما عرض لك هذا الخاطر بالغيبة وغيرها من المعاصي، وجب عليك دفعه بالاعراض عنه وذكر التأويلات الصارفة له عن ظاهره.
قال الإمام أبو حامد الغزالي في " الإحياء ": إذا وقع في قلبك ظن السوء، فهو من وسوسة الشيطان يلقيه إليك، فينبغي أن تكذبه فإنه أفسق الفساق، وقد قال الله تعالى:
(إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) [الحجرات: 7] فلا يجوز تصديق إبليس، فإن كان هناك قرينة تدل على فساد، واحتمل خلافه، لم تجز إساءة الظن، ومن علامة إساءة الظن أن يتغير قلبك معه عما كان عليه،