كتابه وقد ذكر عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ((أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم)) فهذا بالنظر إلى إن لفظه ليس جازما لا يقتضي حكمه بصحته وبالنظر إلى أنه احتج به وأورده إيراد الأصول لا إيراد الشواهد يقتضي حكمه بصحته، ومع ذلك فقد حكم الحاكم أبو عبد الله الحافظ في كتابه كتاب معرفة علوم الحديث بصحته وأخرجه أبو داود في سننه بإسناده منفردا به، وذكر أن الراوي له عن عائشة ميمون بن أبي شبيب ولم يدركها. قال الشيخ ابن الصلاح وفيما قاله أبو داود نظر، فإنه كوفي متقدم قد أدرك المغيرة بن شعبة، ومات المغيرة قبل عائشة، وعند مسلم التعاصر مع إمكان التلاقي كاف في ثبوت الإدراك فلو ورد عن ميمون أنه قال لم ألق عائشة استقام لأبي داود الجزم بعدم إدراكه وهيهات ذلك انتهى.
قال النووي: وحديث عائشة هذا قد رواه البزار في مسنده وقال هذا الحديث لا يعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه، وقد روى عن عائشة من غير هذا الوجه موقوفا انتهى.
(أخبرنا عبد الله بن حمران) بضم الحاء المهملة (عن زياد بن مخراق) بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة (إن من إجلال الله) أي تبجيله وتعظيمه (إكرام ذي الشيبة المسلم) أي تعظيم الشيخ الكبير في الاسلام بتوقيره في المجالس والرفق به والشفقة عليه ونحو ذلك، كل هذا من كمال تعظيم الله لحرمته عند الله (وحامل القرآن) أي وإكرام حافظه وسماه حاملا له لما تحمل لمشاق كثيرة تزيد على الأحمال الثقيلة قاله العزيزي. وقال القاري: أي وإكرام قارئه وحافظه ومفسره (غير الغالي) بالجر (فيه) أي في القرآن.
والغلو التشديد ومجاوزة الحد، يعني غير المتجاوز الحد في العمل به وتتبع ما خفي منه واشتبه عليه من معانيه وفي حدود قراءته ومخارج حروفه قاله العزيزي (والجافي عنه) أي وغير المتباعد عنه المعرض عن تلاوته وإحكام قراءته وإتقان معانيه والعمل بما فيه. وقيل الغلو المبالغة في التجويد أو الإسراع في القراءة بحيث يمنعه عن تدبر المعنى. والجفاء أن يتركه بعد ما علمه لا سيما إذا كان نسيه فإنه عد من الكبائر. قال في النهاية: ومنه الحديث ((اقرؤا القران ولا تجفوا عنه)) أي تعاهدوه أبو ولا تبعدوا عن تلاوته بأن تتركوا قراءته وتشتغلوا بتفسيره وتأويله ولذا قيل اشتغل بالعلم بحيث لا يمنعك عن العمل واشتغل بالعمل بحيث لا يمنعك عن العلم، وحاصله أن كلا من طرفي الإفراط والتفريط مذموم، والمحمود هو الوسط العدل المطابق لحاله