المسألة مذهبان للسلف، واستحبهما جماعة من الصحابة والتابعين، ومن المتأخرين أحمد وإسحاق ولم يستحبهما أكثر الفقهاء وحجة هؤلاء أن استحبابهما يؤدي إلى تأخير المغرب عن أول وقتها قليلا. وزعم بعضهم في جواب هذه الأحاديث أنها منسوخة والمختار استحبابها لهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة. وأما قولهم يؤدي إلى تأخير المغرب فهذا خيال منابذ للسنة فلا يلتفت إليه، ومع هذا فهو زمن يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها. وأما من زعم النسخ فهو مجازف لأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا عجزنا عن التأويل والجمع بين الأحاديث وعلمنا التاريخ وليس ههنا شئ من ذلك انتهى كلامه مختصرا. وأخرج الإمام الحافظ محمد بن نصر في قيام الليل حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد حدثني أبي حدثنا حسين عن ابن بريدة أن عبد الله المزني حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين ثم قال: صلوا قبل المغرب ركعتين ثم قال عند الثالثة لمن شاء خاف أن يحسبها الناس سنة. قال العلامة أحمد بن علي المقريزي في مختصره هذا إسناد صحيح على شرط مسلم فإن عبد الوارث بن عبد الصمد احتج به مسلم والباقون احتج بهم الجماعة. وقد صح في ابن حبان حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين قبل المغرب. قال ابن حبان: أخبرنا محمد بن خزيمة حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث حدثني أبي حدثنا حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة أن عبد الله المزني حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين. انتهى كلام المقريزي. قال المنذري: وأخرجه مسلم.
(بين كل أذانين) المراد بالأذانين الأذان والإقامة تغليبا. وحديث عبد الله المزني وأنس يدل على استحباب هاتين الركعتين بخصوصها، وحديث عبد الله بن مغفل بعمومها. وأخرج محمد بن نصر من حديث عبد الله بن الزبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها سجدتان " يعني ركعتين، كذا في غاية المقصود مختصرا. قال المنذري: وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة.
(ما رأيت أحدا) الحديث سكت عنه المؤلف ثم المنذري، فهو صالح الإسناد عندهما