(فهما هاتان) فيه فوائد منها إثبات سنة الظهر بعدها، ومنها أن السنن الراتبة إذا فاتت يستحب قضاؤها وهو الصحيح، ومنها أن الصلاة التي لها سبب لا تكره في وقت النهي وإنما يكره ما لا سبب لها. فإن قيل هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم قلنا: الأصل الاقتداء به صلى الله عليه وسلم وعدم التخصيص حتى يقوم دليل به بل هنا دلالة ظاهرة على عدم التخصيص وهي أنه صلى الله عليه وسلم بين أنها سنة الظهر ولم يقل هذا الفعل مختص بي، وسكوته ظاهر في جواز الاقتداء. نعم إن المداومة عليهما من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم كلام النووي مختصرا.
وقال الحافظ ابن عبد البر: إنما المعنى في نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد الصبح والعصر على التطوع المبتدأ والنافلة، وأما الصلوات المفروضات أو الصلوات المسنونات، أو ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواظب عليه من النوافل، فلا يدخل في النهي. واحتجوا بالإجماع في الصلاة على الجنائز بعد العصر وبعد الصبح إذا لم يكن عند الغروب ولا عند الطلوع، وبقوله صلى الله عليه وسلم: " من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس " الحديث. وبقوله: " من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها " وبحديث قيس بن عمرو قال: " رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي بعد الصبح ركعتين " الحديث، وبحديث أم سلمة " دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بعد العصر فصلى عندي ركعتين " الحديث. قالوا ففي قضاء الرجل ركعتي الفجر وسكوته صلى الله عليه وسلم وقضائه الركعتين بعد الظهر وهما من السنة شغل عنهما فقضاهما بعد العصر دليل على أن نهيه عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر إنما هو غير الصلوات المسنونات والمفترضات لأنه معلوم أن نهيه إنما يصح على غير ما أباحه ولا سبيل إلى استعمال الأحاديث عنه صلى الله عليه وسلم إلا بما ذكر. قال:
وفي صلاة الناس بكل مصر على الجنائز بعد الصبح والعصر دليل على ما ذكر. هذا قول الشافعي وأصحابه في هذا الباب وقال الترمذي: هو قول أكثر الفقهاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أنهم كرهوا الصلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس، وأما الصلوات الفوائت فلا بأس أن تقضى بعد العصر وبعد الصبح.
وقد أسرد الروايات في إعلام أهل العصر وقال في آخره: فثبت من هذه الروايات أن قضاء الراتبة بعد العصر جائز لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى ركعتي الظهر بعد صلاة العصر بعد نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد العصر، وهكذا نقول إن الصلوات المفروضات والسنن الرواتب تقضى بعد الفجر والعصر، انتهى كلامه. قال المنذري: وأخرجه البخاري ومسلم.