واعلم أن بعض العلماء الحنفية قد تأولوا رواية الدارقطني المذكورة وقالوا أنها محمولة على الاجزاء الكامل، وأنت تعلم أن هذا تحكم بحت وتعصب محض لأنه ليس بعد الإجزاء إلا البطلان، وماذا بعد الحق إلا الضلال. واستدل بالحديث على وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة بناء على أن الركعة الواحدة تسمى صلاة لو تجردت، وفيه نظر لأن قراءتها في ركعة واحدة من الرباعية مثلا يقتضي حصول اسم قراءتها في تلك الصلاة، والأصل عدم وجوب الزيادة على المرة الواحدة، والأصل أيضا عدم إطلاق الكل على البعض، لأن الظهر مثلا كلها صلاة واحدة حقيقة كما صرح به في حديث الإسراء حيث سمى المكتوبات خمسا وكذا حديث عبادة " خمس صلوات كتبهن الله على العباد " وغير ذلك فإطلاق الصلاة على ركعة منها يكون مجازا.
قال الشيخ تقي الدين: وغاية ما في البحث أن يكون في الحديث دلالة مفهوم على صحة الصلاة بقراءة الفاتحة في كل ركعة واحدة منها، فإن دل دليل خارج منطوق على وجوبها في كل ركعة كان مقدما. انتهى.
وقال بمقتضى هذا البحث الحسن البصري: رواه عنه ابن المنذر بإسناد صحيح ودليل الجمهور قوله صلى الله عليه وسلم: " وافعل ذلك في صلاتك كلها " بعد أن أمره بالقراءة، وفي رواية لأحمد وابن حبان " ثم افعل ذلك في كل ركعة " كذا قال الحافظ. واستدل بالحديث على وجوب قراءة الفاتحة على المأموم سواء أسر الإمام أم جهر، لأن صلاته صلاة حقيقة، فتنتفي عند انتفاء القراءة، وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى..
(فصاعدا) أي فما زاد على فاتحة الكتاب من الصعود وهو الارتفاع من سفل إلى علو.
قال المظهر: أي زائدا وهو منصوب على الحال، أي لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن فقط أو بأن القرآن حال كون قراءته زائدا على أم القرآن. كذا في المرقاة (قال سفيان لمن يصلي وحده) قال الإمام الخطابي هذا عموم لا يجوز تخصيصه إلا بدليل. قال المنذري: وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة، وليس في حديث بعضهم فصاعدا.
(فثقلت عليه القراءة) أي شق عليه التلفظ والجهر بالقراءة، ويحتمل أن يراد به أنها التبست عليه القراءة بدليل الرواية الآتية (فلما فرغ) أي من الصلاة (قلنا نعم هذا) قال الخطابي: الهذ سرد القراءة ومداركتها كما في سرعة واستعجال وقيل أراد بالهذ الجهر بالقراءة،