(من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة) بالنصب على أنه نعت لمصدر محذوف أي غسلا كغسل الجنابة، وتشهد بذلك رواية ابن جريج عند عبد الرزاق: فاغتسل أحدكم كما يغتسل من الجنابة. واختلفوا في معنى غسل الجنابة، فقال قوم: إنه حقيقة حتى يستحب أن يواقع زوجته ليكون أغض لبصره وأسكن لنفسه وليغتسل فيه من الجنابة. وفيه حمل المرأة أيضا على الاغتسال ذلك اليوم وعليه حمل قائل ذلك حديث أوس الثقفي من غسل يوم الجمعة واغتسل على رواية من روى غسل بالتشديد. وقد حكاه ابن قدامة عن الإمام أحمد، وثبت أيضا عن جماعة من التابعين، وقال القرطبي: إنه أنسب الأقوال (ثم راح) أي ذهب أول النهار. قال الإمام الخطابي: معناه قصدها وتوجه إليها مبكرا قبل الزوال، وإنما تأولنا على هذا المعنى لأنه لا يجوز أن يبقى بعد الزوال من وقت الجمعة خمس ساعات، وهذا جائز في الكلام أن يقول الرجل راح لكذا ولأن يفعل كذا، بمعنى أنه قصد إيقاع فعله وقت الرواح، كما يقال للقاصدين للحج حجاج الرواح ولما يحجوا بعد، وللخارجين هو إلى الغزو وغزاة ونحو ذلك من الكلام قائما حقيقة الرواح فإنما هو بعد الزوال. وأخبرني الحسن بن يحيى عن أبي بكر بن المنذر قال: كان مالك بن أنس يقول: لا يكون الرواح إلا بعد الزوال، وهذه الأوقات كلها في ساعة واحدة.
قلت: كأنه قسم الساعة التي يحين فيها الرواح للجمعة أقساما خمسة، فسماها ساعات على معنى التشبيه والتقريب، كما يقول القائل: قعدت ساعة وتحدثت ساعة ونحو ذلك، يريد جزءا من الزمان غير معلوم، وهذا على سعة مجاز الكلام وعادة الناس في الاستعمال. انتهى.
(فكأنما قرب) بتشديد الراء (بدنة) أي تصدق بها متقربا إلى الله تعالى. والمراد بالبدنة البعير ذكرا كان أو أنثى، والهاء فيها للوحدة لا التأنيث (ومن راح في الساعة الثانية) قد عرفت آنفا معنى راح، والساعة من قول الإمام الخطابي (بقرة) التاء فيها للوحدة. قال الجوهري: البقر اسم جنس، والبقرة تقع على الذكر والأنثى وإنما دخله الهاء على أنه واحد من جنس (كبشا أقرن) الكبش هو الفحل، وإنما وصف بالأقرن لأنه أكمل وأحسن صورة، ولأن القرن ينتفع به (دجاجة) بكسر الدال وفتحها لغتان مشهورتان. والدجاجة تقع على الذكر والأنثى، والتاء للوحدة لا للتأنيث (بيضة) واحد من البيض والجمع بيوض، وجاء في الشعر بيضات (الذكر)