الاستغفار؟ الاستغفار درجة العليين وهو اسم واقع على ستة معان: أولها الندم على ما مضى، والثاني العزم على ترك العود إليه ابدا، والثالث أن يؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى يلقى الله أملس. الرابع أن تعمد إلى كل فريضة ضيعتها فتؤدي حقها. والخامس أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت والمعاصي فتذيبه. والسادس أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية فعند ذلك استغفر الله.
روى أن بعض الناس اجتاز على رجل وهو يقول: استغفر الله وهو يشتم الناس ويكرر الاستغفار ويشتم فقال السامع له: استغفر الله من هذا الاستغفار وترجع بل أنت تهزء بنفسك، وقال رسول الله (ص): أيها الناس توبوا إلى الله توبة نصوحا قبل أن تموتوا وتوبة النصوح أن يتوب فلا يرجع فيما تاب عنه، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمصر على الذنب مع الاستغفار يستهزء بنفسه ويسخر معه الشيطان وأن الرجل إذا قال: استغفر الله يا رب وأتوب إليه ثم عاد ثم قال ثم عاد ثم قال كتب في الرابعة من الكذابين.
في تفسير النيشابوري في تفسير هذه الآية (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده) قيل علامة التوبة هجران اخوان السوء وقرناء الشر، ومجانبة البقعة التي باشر فيها الذنوب والخطايا، وأن يبدل بالاخوان إخوانا، وبالأخدان أخدانا، وبالبقعة بقعة ثم يكثر الندامة والبكاء على ما سلف منه، والأسف على ما ضيع من عمره وأيامه ولا يفارقه حسرة على ما فرطه وأهمله في البطلان، ويرى نفسه مستحقة لكل عذاب وسخط.
هذه الأمور علامات تدل على حقيقة التوبة وأنا لا أعلم تائبا قد تاب إلى الله ووجد فيه جميع هذه الأمور إلا رجل واحد وهو الحر بن يزيد الرياحي لأنه لما تاب ظهر منه العلائم المذكورة هجران اخوان السوء وهم أهل الكوفة، وقرناء الشر وهم يزيد وعمر ابن سعد وعبيد الله بن زياد وأمثالهم، وترك البقعة والبلد وهجرها، واختار كربلا وبدل بالإخوان إخوانا، وبالأخدان أخدانا وهم سيدنا ومولانا الحسين (ع) وأصحابه وأهل بيته، وبكى وأكثر الندامة على ما سلف منه وهو يناجي ربه ويقول: اللهم إليك انبت فتب علي قد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد بنت نبيك الخ.