الله تعالى بيننا وبينكم، من لثغور الشام بعد أهل الشام، ومن لثغور أهل العراق بعد أهل العراق. من لجهاد الروم والترك والكفار، ورفع في عسكر معاوية خمسمائة مصحف كان من جملتها مصحف الامام وحملوه على أربع رماح.
قال ابن أبي الحديد، في شرح النهج: وأصبحوا وقد رفعوا المصاحف على رؤس الرماح وهم ينادون كتاب الله بيننا وبينكم، فلما نظر أهل العراق إلى ذلك تقاعدوا عن الحرب، فجاء من أصحابه زهاء عشرين ألفا مقنعين في الحديد سالين سيوفهم، ووضعوها على عواتقهم، وقد اسودت جباههم من السجود، ويتقدمهم القراء وهم الذين صاروا خوارج بعد ذلك فنادوه بإسمه لا بإمرة المؤمنين، يا علي أجب القوم إلى كتاب الله إذا دعيت إليه وإلا قتلناك كما قتلنا ابن عفان فوالله لنفعلنها إن لم تجبهم، فقال لهم:
يا أيها الناس، اني أحق من أجاب إلى كتاب الله ولكن معاوية وعمرو بن العاص وفلان وفلان ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن اني اعرف بهم منكم، صحبتهم صغارا ورجالا فكانوا شر صغار وشر رجال، ويحكم إنها كلمة حق يراد بها الباطل، إنهم لا يعرفونها ولا يعملون بها، وما رفعوها إلا للخديعة والوهن والمكيدة، ويحكم انا أول من دعا إلى كتاب الله، وأول من أجاب إليه وليس يحل لي ولا يسعني في ديني ان ادعى إلى كتاب الله فلا اقبله، اني إنما قاتلتهم ليدينوا بحكم القرآن فإنهم قد عصوا الله فيما أمرهم ونقضوا عهده ونبذوا كتابه، ولكني قد أعلمتكم انهم قد كادوكم وإنهم ليس العمل بالقرآن يريدون، قالوا: فابعث إلى الأشتر ليأتيك، وقد كان الأشتر صبيحة ليلة الهرير وقد أشرف على عسكر معاوية ليدخله فاضطر علي (ع) وأرسل إليه يزيد بن هاني إن إئتني، اتاه فبلغه فقال الأشتر: قل له ليس هذه الساعة التي ينبغي لك ان تزيلني عن موقفي اني قد رجوت الفتح فلا تعجلني، فرجع يزيد بن هاني إلى علي (ع) وأخبره بمقالة الأشتر.
قال الراوي: فعند ذلك ارتفع الوهج وعلت الأصوات من قبل الأشتر وظهرت دلائل الفتح والنصر لأهل العراق ودلائل الخذلان والادبار على أهل الشام، فقال القوم لعلي: ما نراك إلا قد أمرت الأشتر بالقتال، قال (ع): أرأيتموني شاورت رسولي إليه أوليس كلمته على رؤس الاشهاد علانية وأنتم تسمعون؟ قالوا: فابعث إليه فليأتك وإلا والله اعتزلناك، فقال (ع) ويحك يا يزيد قل له اقبل إلى فان الفتنة قد وقعت