جعفر ولأبي محمد: إذا حملت فاحملوا معي وأرسل إلى أصحاب الميسرة وأوصاهم بذلك، ثم تقدم وانتظر الناس حملته ومعه الأشتر وغيره فحمل وحمل الناس وزحف الناس بعضهم على بعض وارتموا بالنبل حتى فنيت ثم تطاعنوا بالرماح حتى تكسرت، ثم تضاربوا بالسيوف وعمد الحديد حتى جرت الماء، وانهزم عرب اليمن، وكان وقع الحديد على الحديد أشد هولا من الصواعق والجبال حين تنهدم، وانكسفت الشمس وثار القتام وظلت الألوية والرايات، وواصلوا النهار بالليل، قيل لم ير رئيس قوم مذ خلق الله تعالى الدنيا قتل بيده مثل ما قتل أمير المؤمنين (ع) في ذلك اليوم، ثم قاتلوا بالليل وواصلوا الليل بالنهار وهي ليلة الهرير.
قيل: قتل بيد أمير المؤمنين عليه السلام في يومه وليلته خمسمائة وثلاثة وعشرون رجلا أكثرهم بالليل وذلك من كان إذا ضرب رجلا كبر ولم يكن ليضرب إلا وقتل ذكر ذلك من كان يليه في الحرب ولا يفارقه من ولده وغيرهم (قال الراوي) فيحمل ويدخل في وسطهم ويخرج بسيفه منحنيا فكنا نأخذه من يده فنقومه ثم يتناوله من أيدينا فيقتحم به عرض السيف فلا والله ما لبث بأشد نكاية منه (ع) في عدوه وكان كلما قتل فارسا أعلن بالتكبير، فأحصيت تكبيراته ليلة الهرير فكانت خمسمائة وثلاثة وعشرون تكبيرة بخمسمائة وثلاثة وعشرين قتيلا من أصحاب السعير، وقيل كان الدم يسيل على ذراعه وان قتلاه عرفوا في النهار بان ضرباته كانت على وتيرة واحدة ان ضرب طولا قد أو عرضا قط، وكأنها كانت مكواة بالنار.
وقتل من أصحاب علي (ع) في ذلك اليوم والليلة الف وسبعون رجلا، ومن أصحاب معاوية سبعة آلاف وقيل سبعون الف، وقتل في تلك الليلة خزيمة بن ثابت الأنصاري ذو الشهادتين، وأويس القرني زاهد زمانه، وكان الأشتر في يوم ليلة الهرير وهو يوم الجمعة على ميمنة علي (ع) وقد أشرف على الفتح، وقال بعض من شهد: ولقد أريقت الدماء إلى الأرض حتى تخال انهم مطروا دما تتلقاه الناس بالقصاع والانية، وذلك في يوم الهرير وفزع أهل الشام وهموا أن يتفرقوا فنادت مشيخة أهل الشام يا معشر العرب:
الله الله الله في الحرمات والنساء والبنات! فقال معاوية لعمرو بن العاص: ويلك هلم من حيلك ومكائدك يا بن العاص فقد هلكنا فقال عمرو: تأمر الناس من كان له مصحف فيرفعه على رأس رمح فكثر في الجيش من رفع المصاحف وارتفعت الضجة ونادوا كتاب