بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٧٧ - الصفحة ٢٤٠
والإتيان بحرف التنبيه وتعليق الحكم على الوصف المشعر بالعلية الباعث على الترغيب في الامتثال، وتخصيص الخطاب بالمؤمنين، لأنهم هم المتهيئون للامتثال، وإلا فالكفار عندنا مخاطبون بفروع العبادات، على أن المصر على عدم الايتمار بالشئ لا يحسن أمره بما هو من شروطه ومقدماته.
والقيام إلى الصلاة قيل أريد به إرادته والتوجه إليه إطلاقا للملزوم على لازمه، أو المسبب على سببه، إذا فعل المختار تلزمه الإرادة، ويتسبب عنها كقوله تعالى " فإذا قرأت القرآن " (1) وقيل المراد بالقيام إليها قصدها، والعلاقة ما مر من اللزوم أو السببية، وقيل معنى القيام إلى الشئ قصده وصرف الهمة إلى الاتيان به، فلا تجوز، وقيل المراد القيام المنتهي إلى الصلاة.
قال الشيخ البهائي قدس سره: والقولان الأخيران وإن سلما عن التجوز لكن أولهما لم يثبت في اللغة، وثانيهما لا يعم جميع الحالات، فالمعتمد الأول وكيف كان، فالمعنى إذا قمتم محدثين، وأما ما نقل من أن الوضوء كان فرضا على كل قائم إلى الصلاة وإن كان على وضوء (2) ثم نسخ بالسنة فلم يثبت عندنا، مع أنه خلاف ما هو المشهور من أنه لا منسوخ في المائدة.
وقال جماعة من الأصحاب: الوجه مأخوذ من المواجهة فالآية إنما تدل على وجوب غسل ما يواجه به منه، وقال والدي قدس سره: بل الأمر بالعكس، فان المواجهة مشتقة من الوجه.
ولما كانت اليد تطلق على ما تحت الزند، وعلى ما تحت المرفق، وما تحت المنكب، بين سبحانه غاية المغسول منها كما تقول لغلامك: اخضب يدك إلى الزند

(١) النحل: ٩٨.
(٢) - توهموا أن للآية الشريفة اطلاقا بالنسبة إلى من قام إلى الصلاة، سواء كان متوضئا قبل ذلك لصلاة أخرى ماضية أو لم يكن متوضئا، وليس بصحيح، والا لوجب أن يكون الخروج من الصلاة - التي توضأ هذا الوضوء لها - ناقضا لذاك الوضوء كما أن الخروج من الغائط ناقض له، وهو كما ترى.
على أن الآية الشريفة هي التي تكفلت لبيان الوضوء وكيفيته، ومعلوم أن الوضوء قبل نزولها لم يكن مفروضا، وإن كان مسنونا؟؟ أسوة بالنبي صلى الله عليه وآله.
فشأن الآية أنه يفرض المكلفين من دون وضوء ثم يأمرهم بالتوضي ويجعله شرطا للدخول في الصلاة، فكل من أراد الدخول في الصلاة بعد نزول الآية كان شرطا عليه أن يتوضأ، وأما من توضأ بعد نزولها ولم يحدث بأحد النواقض، فهو واجد للوضوء، والتوضي بعده مجددا تحصيل للحاصل.
نعم ظاهر قوله تعالى: " إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا " الخ الاتيان بالوضوء لأجل الصلاة والقيام إليها، كما يقال، إذا أردت أن تلقى الأمير فخذ أهبتك، وإذا أردت أن تلقى الأسد فخذ حذرك " فمن كان توضأ لمس كتابة القرآن أو الكون على الطهارة أو للنوم أو للجماع مثلا لا يصح له الدخول في الصلاة، لأنه لم يمتثل فرض هذه الآية ومنه والنية أعنى إرادة الصلاة والتوجه لها، وسيأتي مزيد الكلام فيه.
(٢٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 ... » »»
الفهرست