بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٧٦ - الصفحة ١٠٣
يؤدب، وليس عليه القتل، وآكل الربا بعد البينة يؤدب، فان عاد أدب، فان عاد قتل] (1).
{83 باب} * (القذف والبذاء والفحش) * الآيات: النور: " إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم - إلى قوله تعالى - أولئك مبرؤون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم (2).
(١) الهداية: ١٥٠ وما بين العلامتين زيادة من المصدر.
(٢) النور ص ١١ - ٢٦.
أقول: عنون المؤلف العلامة قدس سره هذه الآيات بتمامها في ج ٢٠ ص ٣٠٩ - ٣١٦ باب قصة الإفك ثم فسر الآيات اقتباسا من كلام الطبرسي في مجمع البيان (ج ٧ ص ١٣٠) والبيضاوي في أنوار التنزيل (ج ٢ ص ١٣٣ - ١٣٧) بأنها نزلت في افك المنافقين بعائشة وصفوان بن معطل السهمي.
ثم نقل عن تفسير القمي: ٤٥٣ أن العامة روت أنها نزلت في عائشة وما رميت به في غزوة بنى المصطلق من خزاعة وأما الخاصة فإنهم رووا أنها نزلت في مارية القبطية وما رمتها به عائشة.
أقول: وزاد بعده وقال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا محمد بن عيسى عن، الحسن بن علي بن فضال قال: حدثني عبد الله بن بكير عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لما هلكإبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآلهحزن عليه رسول الله صلى الله عليه وآله حزنا " شديدا " فقالت عائشة: ما الذي يحزنك عليه؟ فما هو الا ابن جريج.
فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله عليا (ع) وأمره بقتله، فذهب علي عليه السلام إليه ومعه السيف وكان جريج القبطي في حائط فضرب علي (ع) باب البستان فأقبل إليه جريج ليفتح له الباب، فلما رأى عليا عرف في وجهه الشر فأدبر راجعا ولم يفتح الباب.
فوثب علي (ع) على الحائط ونزل إلى البستان وأتبعه وولى جريح مدبرا "، فلما خشي أن يرهقه صعد في نخلة وصعد علي عليه السلام في اثره، فلما دنا منه رمى جريج بنفسه من فوق النخلة فبدت عورته، فإذا ليس له ما للرجال ولا له ما للنساء.
فانصرف علي عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله إذا بعثتني في الامر أكون فيه كالمسمار المحمى أم أثبت؟ قال: لابل أثبت، قال: والذي بعثك بالحق ماله ما للرجال وماله ما للنساء، فقال: الحمد لله الذي صرف عنا السوء أهل البيت. وهكذا ذكر القصة في ص ٦٣٩ عند قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا " الآية في سورة الحجرات: ٤٩.
أما قوله: ان الخاصة روت أنها نزلت في افك عائشة بمارية القبطية، فقد روى الصدوق في الخصال ج ٢ ص ١٢٠ - ١٢٦ مناشدة علي عليه السلام برواية عامر بن واثلة وفى آخرها: قال: نشدتكم بالله هل علمتم أن عائشة قالت لرسول الله: ان إبراهيم ليس منك وأنه ابن فلان القبطي، قال: يا علي! اذهب فاقتله فقلت: يا رسول الله إذا بعثتني أكون كالمسمار المحمى في الوبر أو أتثبت؟ قال: لا بل تثبت، فذهب فلما نظر إلى استند إلى حائط فطرح نفسه فيه، فطرحت نفسي على أثره، فصعد على نخل وصعدت خلفه، فلما رآني قد صعدت رمى بإزاره فإذا ليس له شئ مما يكون للرجال فجئت فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: الحمد لله الذي صرف عنا السوء أهل البيت؟ فقالوا:
اللهم لا.
وهكذا ذكر القصة السيد المرتضى علم الهدى في الغرر والدرر ج 1 ص 77 وقال: روى محمد بن الحنفية عن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام قال: كان قد كثر على مارية القبطية أم إبراهيم في ابن عم لها قبطي كان يزورها ويختلف إليها فقال لي النبي صلى الله عليه وآله " خذ هذا السيف وانطلق، فان وجدته عندها فاقتله " قلت: يا رسول الله أكون في أمرك إذا أرسلتني كالسكة المحماة أمضى لما أمرتني؟ أم الشاهد يرى مالا يرى الغائب؟ فقال لي النبي صلى الله عليه وآله: " بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب " وذكر مثل ما مر.
وروى الصدوق في علل الشرايع باب نوادر العلل تحت الرقم 10 عن ماجيلويه عن عمه عن البرقي، عن محمد بن سليمان، عن داود بن النعمان، عن عبد الرحيم القصير قال: قال لي أبو جعفر (ع): أما لو قد قام قائمنا (ع) لقد ردت إليه الحميراء حتى يجلدها الحد، وحتى ينتقم لابنة محمد فاطمة عليها السلام منها، قلت: جعلت فداك و لم يجلدها الحد؟ قال: لفريتها على أم إبراهيم عليهما السلام. قلت: فكيف أخره الله للقائم؟ فقال: لان الله تبارك تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وآله رحمة وبعث القائم (ع) نقمة.
وأما أصل هذا الإفك - الإفك بمارية القبطية وابن عم لها يقال له مأبور - فهو مسلم عند العامة مشهور عندهم، وممن صرح بذلك ابن حجر في الإصابة ترجمة مأبور الخصي وأبو عمر في الاستيعاب ترجمة مارية القبطيةوابن الأثير في أسد الغابة ترجمة مارية ومأبور معا.
ذكر ابن الأثير، عن محمد بن إسحاق أن المقوقس أهدى إلى رسول الله جواري أربعا منهن مارية أم إبراهيم وأختها سيرين التي وهبها النبي صلى الله عليه وآلهلحسان بن ثابت فولدت له عبد الرحمن، وأما مأبور فهو الخصي الذي أهداه المقوقس مع مارية، وهو الذي اتهم بمارية فأمر النبي صلى الله عليه وآله عليا أن يقتله، فقال على: يا رسول الله أكون كالسكة المحماة أو الشاهد يرى ما لا يرى الغائب الحديث.
وذكر ابن حجر عن ابن سعد أن مارية كانت بيضاء جميلة فأنزلها رسول الله صلى الله عليه وآله في العالية: مشربة أم إبراهيم وكان يختلف إليها هناك وكان يطؤها بملك اليمين وضرب عليها مع ذلك الحجاب فحملت منه ووضعت هناك في ذي الحجة سنة ثمان، ومن طريق عمرة عن عائشة قالت: ما عزت على امرأة الا دون ما عزت على مارية، وذلك أنها كانت جميلة جعدة، فأعجب بها رسول الله صلى الله عليه وآله وكان أنزلها أول ما قدم بها في بيت الحارثة بن النعمان فكانت جارتنا، فكان عامة الليل والنهار عندها حتى تعنى أو عناها، فجزعت فحولها إلى العالية، وكان يختلف إليها هناك، فكان ذلك أشد علينا، الخبر.
فالظاهر أن الرجل كان اسمه كان اسمه جريجا والمأبور وصف له غلب عليه ومعناه الخصي الذي أصلح ابرته وهي كناية عن عضو الانسان عن التاج، أو هو بمعنى المتهم، يقال " فلان ليس بمأبور في دينه " أي بمتهم، قال الفيروزآبادي. وقول علي عليه السلام:
" ولست بمأبور في ديني " أي بمتهم في ديني فيتألفني النبي صلى الله عليه وآله بتزويجي فاطمة.
فالمسلم من روايات الفريقين أن الرجل كان متهما بذلك لاختلافه عند مارية وكونه نديما لها نسيبا " منها، وكان اتهامه شايعا " عند المنافقين والفساق: يتلقونه بألسنتهم من لدن أن حبلت مارية بإبراهيم زعما منهم أن رسول الله قد عقم لعلة ولذلك لا يلدن نساؤه حتى صرح بذلك عائشة في وجه النبي صلى الله عليه وآله تسلية له بوفاة إبراهيم ابنه! فغضب رسول الله وأمر عليا " بما انتهى إلى براءة مارية ومأبور.
فآيات الإفك المعنونة في صدر الباب تنطبق بلا ريب على افك مارية ومأبور أكمل انطباق، مضافا إلى أن السورة نزلت في سنة تسع بشهادة آيات اللعان الواقعة في صدرها قبل آيات الإفك، كما عرفت سابقا "، وقد كان وفات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله في سنة تسع أيضا ".
وأما قوله " ان العامة روت أنها نزلت في عائشة وما رميت به في غزوة بنى المصطلق من خزاعة " فقد رووا في ذلك عن عائشة - وهي قهرمانة القصة - روايات متعددة تعلو عليها آثار الاختلاق والأسطورة ملخصها:
كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، فلما كانت غزوة بنى المصطلق أقرع بينهن فخرج سهمي فخرج بي، فلما فرغ رسول الله من سفره وجه قافلا حتى إذا كان قريبا " من المدينة نزل منزلا فبات به بعض الليل ثم أذن بالرحيل فارتحل الناس وخرجت لبعض حاجتي وفى عنقي عقد لي فيه جزع ظفار، فلما فرغت انسل من عنقي ولا ادرى، فلما رجعت إلى الرحل ذهبت ألتمسه في عنقي فلم أجده وقد أخذ الناس في الرحيل، فرجعت إلى مكاني فالتمسته حتى وجدته، ثم جئت إلى الرحل