بذلك مؤمنا في ذلك الزمان، وإدخال المؤمن النار ظلم " وذلك أن الله " المشار إليه بذلك، إما عدم تعذيب من ترك العمل بالنار، أو أنه إن لم يدخله الجنة وأدخله النار كان ظالما.
وهذا الكلام يحتمل وجهين أحدهما أن تكون المعاصي التي نهي عنها في مكة من المكروهات، ويكون النهي عنها نهي تنزيه، والطاعات التي أمر بها فيها من المستحبات فالتعليل حينئذ ظاهر لان التعذيب على ترك المستحبات، وفعل المكروهات في الآخرة ظلم، وثانيهما أن يكون النهي عن المعاصي نهي تحريم، و الامر بالطاعات أمر وجوب لكن لم يوعد على فعل المعاصي وترك الطاعات النار ولم يغلظ فيهما وإنما أوعد النار على الشرك، والاخلال بالعقائد، وإنكار النبوة والمعاد، فهي كانت بمنزلة الفرائض والكبائر وغيرها بمنزلة الصغائر وسائر الواجبات وقد أوجب الله تعالى على نفسه لسعة كرمه ورحمته أن لا يؤاخذ مجتنب الكبائر بفعل الصغائر، فلو عذبهم بها كان ظلما من حيث الاخلال بما أوجب على نفسه من العفو عنهم.
أو يقال: التعذيب بالنار مع ترك الايعاد بها ظلم، أو يقال: التعذيب بالنار العظيم الأليم أبدا أو مدة طويلة بمحض النهي من غير تهديد ووعيد وتغليظ، لا سيما ممن كملت قدرته، ووسعت رحمته ظلم، أو يقال: اللطف على الله تعالى واجب وأعظم الألطاف التهديد والوعيد بالنار، فتركه ظلم، أو يقال: اطلق الظلم على خلاف الأولى مجازا، والكل مبني على أن الأعمال والتروك التي هي أجزاء الايمان إنما هي ما يستحق بتركه الدخول في النار، وفي مكة سوى العقائد لم تكن كذلك ولما شرع في المدينة شرائع، وجعل فيها فرائض وكبائر يستحق بترك الأولى و فعل الثانية دخول النار، جعلتا من أجزاء الايمان.
" جعل لكل نبي " إشارة إلى قوله تعالى في المائدة وهي مدنية " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " قال البيضاوي: (1) شرعة شريعة، وهي الطريقة إلى الماء