وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين " (1).
تبيين وتحقيق: قوله " وذلك أن " تعليل لتكلمهم فيه بغير علم، لأنهم تكلموا في متشابهه أيضا مع أنه لا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم، والمحكم في اللغة المتقن، وفي العرف يطلق على ماله معنى لا يحتمل غيره، وعلى ما اتضحت دلالته، وعلى ما كان محفوظا من النسخ، أو التخصيص، أو منهما جميعا، وعلى ما لا يحتمل من التأويل إلا وجها واحدا، والمتشابه يقابله بكل من هذه المعاني.
وقال الراغب: المحكم ما لا يعرض فيه شبهة من حيث اللفظ ولا من حيث المعنى والمتشابه من القرآن ما أشكل تفسيره لمشابهة غيره إما من حيث اللفظ أو من حيث المعنى وقال الفقهاء: المتشابه مالا ينبئ ظاهره عن مراده.
وحقيقة ذلك أن الآيات عند اعتبار بعضها ببعض ثلاثة أضرب: محكم على الاطلاق، ومتشابه على الاطلاق، ومحكم من وجه متشابه من وجه، فالمتشابه في الجملة ثلاثة أضرب: متشابه من جهة اللفظ فقط، ومتشابه من جهة المعنى فقط، و متشابه من جهتهما، فالمتشابه من جهة اللفظ ضربان: أحدهما يرجع إلى الألفاظ المفردة، وذلك إما من جهة غرابته نحو الأب ويزفون، وإما من جهة مشاركة في اللفظ كاليد والعين. والثاني يرجع إلى جملة الكلام المركب، وذلك ثلاثة أضرب:
ضرب لاختصار الكلام نحو " فان خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم (2) " وضرب لبسط الكلام نحو " ليس كمثله شئ (3) " لأنه لو قيل ليس مثله شئ كان أظهر للسامع، وضرب لنظم الكلام نحو: " أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما " (4) تقديره " الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا " والمتشابه من جهة المعنى أوصاف الله تعالى وأوصاف القيامة، فان تلك الصفات لا تتصور لنا إذ كان لا تحصل في نفوسنا صورة ما لم نحسه أو لم يكن من جنس ما نحسه.