وإلا لم يفرض الله الفرائض، ولم يتوعد على المعاصي، وأيضا ما ورد في الآيات و الاخبار من كرامة المؤمنين، ودرجاتهم ومنازلهم، ينافي إجراء الحدود عليهم، و إذلالهم وإهانتهم، فلابد من خروجهم عن الايمان حين استحقاقهم تلك العقوبات قوله " فما بال من جحد " لعل المعنى أنه لو كان الايمان محض التكلم بالشهادتين أو الاعتقاد بهما كما تزعمون، لم يكن جحد الفرائض موجبا للكفر، مع أنكم توافقوننا في ذلك، لورود الاخبار فيه، فلم لا تقولون بعدم إيمان تاركي الفرائض و مرتكبي الكبائر أيضا مع ورود الأخبار الكثيرة فيها أيضا، وقيل: المراد بجحد الفرائض تركها عمدا من غير عذر، فإنه يؤذن بالاستخفاف والجحد.
قال الشهيد الثاني رفع الله درجته في بيان حقيقة الكفر: عرفه جماعة بأنه عدم الايمان عما من شأنه أن يكون مؤمنا، سواء كان ذلك العدم بضد أولا بضد فبالضد كأن يعتقد عدم الأصول التي بمعرفتها يتحقق الايمان، أو عدم شئ منها وبغير الضد كالخالي من الاعتقادين أي اعتقاد ما به يتحقق الايمان، واعتقاد عدمه، وذلك كالشاك أو الخالي بالكلية كالذي لم يقرع سمعه شئ من الأمور التي يتحقق الايمان بها، ويمكن إدخال الشاك في القسم الأول إذ الضد يخطر بباله، وإلا لما صار شاكا.
واعترض عليه بأن الكفر قد يتحقق مع التصديق بالأصول المعتبرة في الايمان كما إذا ألقى إنسان المصحف في القاذورات عامدا أو وطئه كذلك، أو ترك الاقرار باللسان جحدا وحينئذ فينتقض حد الايمان منعا وحد الكفر جمعا.
وأجيب تارة بأنا لا نسلم بقاء التصديق لفاعل ذلك. ولو سلمنا يجوز أن يكون الشارع جعل وقوع شئ من ذلك علامة وأمارة على تكذيب فاعل ذلك، و عدم تصديقه، فيحكم بكفره عند صدور ذلك منه، وهذا كما جعل الاقرار باللسان علامة على الحكم بالايمان، مع أنه قد يكون كافرا في نفس الامر، وتارة بأنه يجوز أن يكون الشارع حكم بكفره ظاهرا عند صدور شئ من ذلك حسما لمادة جرأة المكلفين على انتهاك حرماته، وتعدي حدوده، وإن كان التصديق في نفس