في مسائل الأصول يقتضي الكفر، بخلافه في الفروع، فساغ في الثانية ما لم يسغ في الأولى.
احتج من أوجب التقليد في مسائل الأصول بأن العلم بالله تعالى غير ممكن لان المكلف به إن لم يكن عالما به تعالى استحال أن يكون عالما بأمره، وحال امتناع كونه عالما بأمره، يمتنع كونه مأمورا من قبله، وإلا لزم تكليف ما لا يطاق، وإن كان عالما به، استحال أيضا أمره بالعلم به لاستحالة تحصيل الحاصل، والجواب عن ذلك على قواعد الامامية والمعتزلة ظاهر، فان وجوب النظر والمعرفة عندهم عقلي لا سمعي نعم يلزم ذلك على قواعد الأشاعرة إذ الوجوب عندهم سمعي.
أقول: ويجاب أيضا معارضة بأن هذا الدليل كما يدل على امتناع العلم بالمعارف الأصولية، يدل على امتناع التقليد فيها أيضا، فينسد باب المعرفة بالله تعالى، فكل من يرجع إليه في التقليد لابد وأن يكون عالما بالمسائل الأصولية، ليصح تقليده، ثم يجري الدليل فيه، فيقال: علم هذا الشخص بالله تعالى غير ممكن، لأنه حين كلف به إن لم يكن عالما به تعالى استحال أن يكون عالما بأمره بالمقدمات وكل ما أجابوا به فهو جوابنا، ولا مخلص لهم إلا أن يعترفوا بأن وجوب المعرفة عقلي فيبطل ما ادعوه من أن العلم بالله تعالى غير ممكن أو سمعي فكذلك.
فان قيل: ربما يحصل العلم لبعض الناس بتصفية النفس أو إلهامه إلى غير ذلك، فيقلده الباقون، قلنا هذا أيضا يبطل قولكم إن العلم بالله تعالى غير ممكن، نعم ما ذكروه يصلح أن يكون دليلا على امتناع المعرفة بما يسمع، فيكون حجة على الأشاعرة، لا دليلا على وجوب التقليد.
واحتجوا أيضا بأن النهي عن النظر قد ورد في قوله تعالى " ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا " (1) والنظر يفتح باب الجدال فيحرم، ولأنه عليه السلام رأى الصحابة يتكلمون في مسألة القدر فنهاهم عن الكلام فيها، وقال: إنما هلك من كان قبلكم بخوضهم في هذا، ولقوله عليه السلام: عليكم بدين العجائز، والمراد ترك النظر فلو كان