تنتظر، وينبغي أن تحمل هذه البراءة على البراءة المطلقة، لجواز التبري من الفاسق وهو حي، ومن الكافر وهو حي، لكن بشرط الاتصاف بأحد الوصفين، بخلاف ما بعد الموت.
وقيل: المعنى انتظروا حتى يأتيه الموت فإنه ربما يكون معتقدا للحق ويكتم إيمانه لغرض دنيوي، وقيل: هذا إشارة إلى ما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله في الصلاة على المنافقين، فإذا كبر أربعا كانوا يعلمون أنه منافق، وإذا كبر خمسا كانوا يعلمون أنه مؤمن، فأشار عليه السلام إلى أنه عند الموت تقع البراءة وتصح بعلامة تكبيراته الأربع، وكلا الوجهين كما ترى.
والظاهر أن المراد بالبراءة قطع العلائق الايمانية التي يجوز معها الاستغفار كما يومئ إليه قوله سبحانه " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى " إلى قوله تعالى " فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه " (1).
" والهجرة قائمة " الخ وأصل الهجرة المأمور بها الخروج من دار الحرب إلى دار الاسلام، وقال في النهاية: فيه لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، وفي حديث آخر لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، الهجرة في الأصل اسم من الهجر ضد الوصل، وقد هجره هجرا وهجرانا، ثم غلب على الخروج من أرض إلى أرض وترك الأولى للثانية، يقال منه هاجر مهاجرة.
والهجرة هجرتان إحداهما التي وعد الله عليها الجنة في قوله " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة " (2) فكان الرجل يأتي النبي صلى الله عليه وآله ويدع أهله وماله لا يرجع في شئ منه، وينقطع بنفسه إلى مهاجره، وكان النبي صلى الله عليه وآله يكره أن يموت الرجل بالأرض التي هاجر منها، فمن ثم قال " لكن البائس سعد بن خولة " يرثي له أن مات بمكة (3) وقال حين قدم مكة " اللهم لا